محمد السمّاك
أصبحت الفاتيكان الدولة 136 التي تعترف بدولة فلسطين. كرس هذا الاعتراف الاتفاق الذي باركه البابا فرنسيس بين دولتي فلسطين والفاتيكان يوم 26 يونيو/حزيران 2015.
الاعتراف الفاتيكاني ليس مجرد زائداً واحداً الى عدد الاعترافات الدولية. انه اعتراف أعلى مرجعية دينية مسيحية كاثوليكية في العالم. أي أنه اعتراف باسم مليارين و200 مليون كاثوليكي . وهو يحمل معنى دينياً الى جانب معانيه السياسية.
ولقد سبق أن نشر الفاتيكان وثيقة رسمية في الأول من مايو/أيار 1897 عشية المؤتمر الصهيوني الأول في بال سويسرا، جاء فيها:
«مر 1827 سنة على تحقيق نبوءة المسيح بأن القدس سوف تدمر.. ولذلك فإن اعادة بناء القدس لتصبح مركزاً لدولة اسرائيل بعد تكوينها يتناقض كل التناقض مع نبوءات المسيح الذي أخبرنا مسبقاً بأن العامة (أي غير اليهود) سوف تسيطر على القدس حتى نهاية زمن العامة (جنتيل)، أي حتى نهاية الزمن«.
كان هذا هو الموقف الفاتيكاني من مبدأ إقامة وطن لليهود على الأرض الفلسطينية.
أكد هذا الموقف الفاتيكاني، موقف آخر.
في 24 كانون الثاني/يناير 1904، وجه البابا بيوس العاشر رسالة الى تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية رداً على رسالة كان هرتزل قد وجهها الى البابا طالباً فيها دعم الفاتيكان تهجير اليهود الى فلسطين.
قال البابا في رسالته الجوابية: «نحن لا نستطيع أبداً أن نتعاطف مع الحركة الصهيونية. إننا لا نقدر على منع اليهود من التوجه الى القدس، ولكننا لا يمكن أبداً أن نقرّه، وبصفتي قيّماً على الكنيسة لا أستطيع أن أُجيبك بشكل آخر. لم يعترف اليهود بسيدنا (المسيح)، ولذلك لا نستطيع ان نعترف بالشعب اليهودي، وبالتالي، فاذا جئتم إلى فلسطين، وإذا أقمتم هناك، فإننا سنكون مستعدين كنائس ورهباناً أن نعمّدكم (أي نحوّلكم الى المسيحية) جميعاً«.
يعرف الاسرائيليون ان هذا الموقف الديني يشكل أساساً ثابتاً في القناعات الفاتيكانية، وأن الالتفاف عليه تحت ضغط ظروف ومتغيرات دولية، لا يغير من جوهر الالتزام به دينياً وأخلاقياً.
ويعرف الفلسطينيون أن الاعتراف الفاتيكاني الرسمي اليوم بالدولة الفلسطينية يلقي على كاهلهم، وعلى كاهل العرب والمسلمين بعامة، مسؤولية معنوية. أكد على هذه المسؤولية الأسقف بول ريتشارد كالاغر الذي وقّع مع وزير خارجية فلسطين رياض المالكي على الاتفاق «بين الدولتين«.
فالاتفاق يحدد وضع فلسطين الخاص كما قال المالكي – كمهد للديانة المسيحية وأرضاً للديانات التوحيدية، كما يضمن «أوضاع الأماكن المسيحية المقدسة وحمايتها«.
ومن هنا المسؤولية المعنوية التي ألقى الأسقف كالاغر الضوء عليها. وهي «أن الاتفاق (الفاتيكاني الفلسطيني) يجب أن يستخدم نموذجاً لبلدان أخرى يشكل العرب والمسلمون أكثرية سكانها لأن الحرية الدينية غالباً ما تتعرّض للتهديد في الشرق الأوسط«.
من هنا فان حماية الحريات الدينية عربياً وإسلامياً تقع في أساس روح الاتفاق الفلسطيني الفاتيكاني، ومن هذه الحماية يستمد الاتفاق قوة اندفاعه. بل إنه يستمد منه قوة استمراره ونجاحه. وهذا الاستمرار الناجح يشكل في حد ذاته الأساس لاقتداء الدول الكاثوليكية في العالم به. كما انه يستمد صموده في وجه المعارضة الاسرائيلية له، والحملة الصهيونية التي انطلقت مع لحظة التوقيع عليه في حاضرة الفاتيكان.