تؤكد المواقف الداخلية للعديد من الافرقاء السياسيين المتلاحقة على تنامي خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان والمنطقة، والتي ازدادت خطورتها في الأيام الماضية، مع دخول التهديدات الاسرائيلية على الخط الداخلي اللبناني من خلال ما أشار اليه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، من على منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وتعمده توجيه تهديدات متتالية، تحت عنوان صواريخ »حزب الله« العالية الدقة، في محيط بيروت والضاحية الجنوبية، ولبنان يعاني الامرين من سلسلة أزمات مترابطة ومتعددة العناوين والمضامين، عبرت عن نفسها بتعثر ولادة حكومة وطنية جديدة، كان الافرقاء المعنيون كافة، اتفقوا على ان لا تستثني أحداً من الافرقاء..«.
الاوضاع الميدانية في المحيط الاقليمي القريب والبعيد، حطت بثقلها في الواقع اللبناني، كما وحسابات العديد من الافرقاء وتطلعاتهم للافادة من هذه »الفرصة« والتزامات البعض منهم الخارجية، والتمسك بالاسقف العالية والشروط والشروط المضادة، دفع بلبنان الى المزيد من الغرق في دوامة المراوحة، والعودة الى مشهد التجاذبات واختلاف الاعذار، ما انعكس سلباً على تشكيل الحكومة العتيدة، وأعاد البلد الى »المربع الأولى«؟!
لايزال البعض يعوّل على تطورات الخارج وما ستؤول اليه، »ليبنى على الشيء مقتضاه..« وقد تعزز ذلك بعودة قنوات التواصل مع الخارج، الى الحياة من جديد، مع ارتفاع وتيرة التهديدات الاسرائيلية، كما وارتفاع تنبيهات البعض، في الداخل وفي الخارج، سواء بسواء من هذا الخطر الاسرائيلي الذي أشاعه الكلام الحربي لقيادات اسرائيلية ضد لبنان.. الامر الذي يستدعي اكثر من أي يوم مضى، »ضرورة تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن..«.
وبعيداً عن قراءة بعض الافرقاء المحليين، من الحملة الديبلوماسية التي أطلقها وزير الخارجية جبران باسيل، وأدت الى تجمع اكثر من 73 سفيراً وممثلاً ديبلوماسياً في منطقة المطار والضاحية، فإن لبنان حقق نقلة نوعية على المستوى الدولي والاقليمي، وأثبت وجوده، كما أثبتت أهمية دوره، خلاف تجاهل الرئيس الاميركي دونالد ترامب وادارته كل ما حصل من تهديدات وما استتبع ذلك من مواقف، خصوصاً وان لبنان أكد تمسكه بالقرارات الدولية، خلاف اسرائيل التي خرقت هذه القرارات، أكثر من 1500 مرة خلال ثمانية أشهر وجعلت من السماء لبنان، منطلقاً لشق اعتداءات على سوريا..
لا تخفي مصادر متابعة، ان البعض من القوى السياسية في لبنان، والذين تجاهلوا ما جرى وما يمكن ان يجري، يتريثون، او لا يستعجلون تأليف حكومة.. وهم ماضون في سياسة إضاعة الفرص وحرق الوقت وارتفاع وتيرة السجالات السياسية، غير عابئين بما تنتج عن ذلك من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية ومعيشية، بل وأمنية..
لم يأل الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري جهداً في سبيل رفع العقبات والعراقيل وفكفكة العقد التي تعرقل ولادة الحكومة العتيدة، وهو ماض في ذلك، وعلى نحو لافت من دون عراضات اعلامية، »وهو يراهن قولاً وفعلاً على اعادة تفعيل دورة الاتصالات والتزام السعي المتواصل لتشكيل حكومة وفاق وطني، يتضامن أطرافها على التصدي لكافة الاستحقاقات والمخاطر، الماثلة« على ما جاء في بيان كتلة »المستقبل« بعد اجتماعها أول من أمس في »بيت الوسط«.
في قناعة عديدين، وعلى ما دلت التجارب العديدة التي مرّت على لبنان، فإن »سياسة النأي بالنفس« على أهميتها، فهي سياسة غير كافية لضمان أمن وسلامة واستقرار هذا البلد، وهو ليس جزيرة، منعزلة عن سائر الجوار.. وان كانت التوافقات الداخلية تحفظ الحد المطلوب.. ولا يكفي استنكار التهديدات الاسرائيلية بالكلام فقط، ولا بد من اقرار استراتيجية دفاعية وطنية، يكون قرارها بيد الحكومة، خصوصاً وأن غالبية »الدول الصديقة« للبنان تشدد على أهمية تعزيز الجيش اللبناني وقدراته، ليتمكن من القيام بدوره معززاً بالقوى السياسية والشعبية اللبنانية..
ليس من شك في ان الافرقاء اللبنانيين، على وجه العموم، منقسمون على هذه المسألة.. والبعض يرى ان بامكان لبنان ان ينأى بنفسه عن كل ما يجري في المحيط الاقليمي المحاذي، على رغم التجارب التاريخية التي أكدت استحالة ان »تكون قوة لبنان في ضعفه..« او دفن رأسه تحت التراب، خصوصاً أكثر، ان الارض اللبنانية، لم تعد مجرد »فائض جغرافي«، كما وصفها وزير خارجية اميركا الاسبق هنري كيسنجر ولم تعد ارض بور لرعاية الاغنام والابقار، بل هي أرض تحتضن من الثروات ما يكفي ليزيد من شهية العدو الاسرائيلي وتطلعاته العدوانية والسيطرة على هذه الثروات في البحر وفي البر.. فتحت شعار »حماية الامن الاسرائيلي« و»الوجود الاسرائيلي« و»الحدود الاسرائيلية« و»الحقوق الاسرائيلية«، التي لا يعرف أحد معالمها، تمكنت »إسرائيل«، وعلى مرأى من العالم كله ومسمعه من ارتكاب مجازر بشرية وجرائم حرب من دون عقاب او حساب.. وهي اضطرت الى الانسحاب من بيروت وسائر المناطق اللبنانية التي احتلتها، بفعل المقاومة الشعبية الباسلة..
يرى خبراء متابعون ان »إسرائيل« تعتمد مبادئ »الحرب الوقائية« لتوفير مقومات ديمومتها واستمرارها، وهي من اجل ذلك تخوض حربها المفتوحة على شعب فلسطين في الضفة الى القطاع الى غير منطقة، وهي حرب تتخذ اشكالا متنوعة تتراوح بين الحصار والتجويع والقهر والاعتقالات والتهجير وإقامة الجدر العازلة وبناء المستوطنات وارتكاب المجازر الجماعية »لا تفرق فيها بين كبير وصغير ورجل وامرأة وطفل وطفلة..