علّق المسؤول في “إدارة” مهمة تتعاطى مع دول المغرب العربي وأوضاعها داخل “الإدارة” الأميركية على شرحي غير المتفائل بالأوضاع المرتقبة في الجزائر، قال: “ربما يريد الجزائريون البقاء بعيداً من النار”. علّقتُ: ربما. لا أدري حقيقة. ذلك أن هناك من العارفين والمطلعين مَن يتوقّع أن تشهد الجزائر مشكلات جدية، وخصوصاً إذا تفاقمت الحرب في ليبيا وبقيت من دون حلّ. ردّ: “إنها على الأقل تقوم بواجبها في الداخل وتحارب الإرهاب”.
سألتُ: ماذا عن ليبيا؟ أجاب: “لنحْكِ أولاً عن دولة المغرب. وضعها مرتاح. وقد نُفِّذت إصلاحات عدة فيها وتمّت تلبية مطالب اجتماعية عدة. ولا خوف على استقرارها على الأقل الآن وفي المستقبل المنظور”. قلتُ: في دولة المغرب كما يعرف الجميع ملك (أمير المؤمنين) ليس موضع نقد من شعبه أو من غالبية شعبه، فضلاً عن أنه مقبول منه. ربما هناك بعض من الشعب المغربي لا يحب النظام الملكي، لكن حجمه لا يزال غير مؤثر حتى الآن. هناك بعض آخر له مطالب اجتماعية يحاول الحصول عليها مع عدد من الإصلاحات. وللمغرب رئيس حكومة إسلامي معتدل هو بن كيران، وذلك يخفِّف احتمال حصول احتجاجات إسلامية أي من إسلاميين مغاربة، ويقلِّل احتمال التحوُّل نحو العنف والتطرُّف. ردّ: “طبعاً يحارب المغرب الإرهاب لأنه موجود من خلال خلايا نائمة داخل البلاد، ولأن عدداً من الإرهابيين يتسلَّل إليها من خارج الحدود. أما عن ليبيا فدعْني أوجِّه إليك السؤال الآتي: ما رأيك في قوة عسكرية تقودها جامعة الدول العربية تكون مهمتها فرض الأمن والاستقرار فيها؟” أجبتُ: جامعة الدول العربية الآن في أضعف حالاتها. ولم يحدث مرة أن تدخَّلت عسكرياً لحل أزمة عربية ونجحت. ربما مرة واحدة توجَّهت قوات عربية تحت علم الجامعة إلى الكويت لمواجهة تهديد عراق قاسم لها. لكنها لم تخض حرباً. في اجتماعات الجامعة يلقي الملوك والرؤساء ووزراء الخارجية خطابات. وقبل اجتماعهم تعدُّ قرارات على نحو يجعلها تصدر بالإجماع عند انتهاء الاجتماعات. لكن الإجماع يعني تجاهل الإختلافات الحقيقية. فضلاً عن أنه يُبقي القرارات المتخذة والمعلنة من دون تنفيذ. طبعاً تحصل أحياناً اختلافات داخل الاجتماعات. لكنها تطوّق كي لا تنفجر الجامعة. على كلّ، هي جسم لا يمكن الاعتماد عليه، في رأيي، بسبب عدم إيمان الدول الأعضاء بها، وحرص كل منها على الاحتفاظ باستقلالية المواقف والسياسات والتصرفات. علماً أن الاشتراك الجماعي في قوة تقودها الجامعة العربية ليس مضموناً. عام 1976، قرّرت الجامعة إرسال قوة ردع عربية إلى لبنان. لم تشترك فيها بقوة كبيرة (20 ألف جندي) إلا سوريا، واشتركت دول أخرى بقوات رمزية جداً ما لبثت أن عادت إلى بلدانها بعدما لمست أن “القرار العربي” كان لتغطية ممارسة سوريا حافظ الأسد سياستها اللبنانية واستراتيجيتها الإقليمية من خلال لبنان. وأبقى ذلك سوريا عسكرياً وحدها في لبنان فتحوَّلت من قوة إنهاء حرب إلى قوة إدارة حرب تخدم مصالحها. ودفع ذلك لبنانيين كثيرين إلى مقاومتها بعد وصفها بالمحتلة. أضفتُ: في حال ليبيا، أعتقد أن المصريين سيكونون القوة العسكرية الأكبر التي قد تتدخّل تحت راية “الجامعة” لوقف الحرب فيها. أولاً لأنها الدولة العربية الأكبر وصاحبة الجيش العربي الأكبر. وثانياً لأنها على حدود ليبيا ولأن ما يجري في الأخيرة يهدِّدها بأخطار شديدة. ولا يعرف أحد إذا كانت مُهتمة بإرسال جيش كبير إلى تلك الدولة. والجزائر لا تريد أن يتدخَّل المغرب في ليبيا بسبب سوء علاقتها معه. وسوريا مُدمَّرة. والسودان حالته بالويل. والسعودية “لا خيل عندها تهديها بل مال”. وهي تقدمه مع دول الخليج إلى مصر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إلى متى يستطيع الخليج مدّ مصر بكميات ضخمة من الأموال؟ إلى ذلك، مَن قال إنّ الليبيين يريدون تدخُّل مصر في بلادهم وإن لإيقاف حربهم الأهلية؟ وقيل من زمان أن ليبيا كان يجب أن “تكون” مع مصر لأنها حاربت أكثر من مرة عن الدول العربية، وخصوصاً ضد إسرائيل وضحَّت بالكثير، أي أن تكون جزءاً منها، أو على الأقل أن تكون لها حصة في نفطها. هذا أمر يخافه الليبيون والدول النفطية كلها وخصوصاً بعد اجتياح (الراحل) صدام حسين الكويت. وتردَّدت معلومة في حينه أن مصر عرضت إرسال مئتي ألف جندي إلى الكويت ليحفظوا استقرارها على نحو شبه دائم، لكنها ووجهت بالرفض المُهذَّب.
بماذا علّق المسؤول نفسه في إدارة مهمة تتعاطى مع دول المغرب العربي داخل الإدارة الأميركية؟