وجه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي رسالة لعلها الاقوى في الظروف الراهنة، من خارج اصراره على ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية لملء الشغور في الموقع المسيحي الاول المستمر منذ سنة وثلاثة اشهر من مشغرة ضمن جولته على البقاع الغربي. فمن منطقة هرع فيها المسلمون الى استقباله كالمسيحيين لم يجد سيد بكركي غضاضة في الاعلان ان “اتفاق الطائف هو اجمل صيغة للبنان لانه يطير بجناحيه المسلم والمسيحي ولن يكون اي جناح من الاثنين مكسورا”. والرسالة قوية بالنسبة الى مصادر معنية في السياق الراهن بشقين: الاول يرتبط بواقع ان اعادة تاكيد الكنيسة المارونية للغطاء الذي توفره لهذا الاتفاق من شأنه اقفال الابواب على رياح هبت ولا تزال تبعا للصراعات الداخلية وامتداداتها الاقليمية المذهبية حول امكان وضع هذا الاتفاق جانبا والبحث عن بديل منه، وفق ما اوحت مواقف افرقاء مسلمين كما مسيحيين كانت ولا تزال ترمي بالونات اختبار او تثير المخاوف من طموحات لتعديل الطائف لكي يتلاءم مع ما يعتقد انه متغيرات في التوازنات في المنطقة. وبدا موقف البطريرك الماروني مناقضا في الجوهر لمواقف مسيحية سياسية كانت تطلق في الوقت نفسه في مناطق اخرى من اجل الحض على التحرك دعما لمشاركة مسيحية حقيقية وفق هذه المواقف، في ضوء التمديد الاخير للقيادات العسكرية. واقل ما يقال في هذا الشأن ان كلام البطريرك يضعف الحقن السياسي للمواطنين وحضهم على الاعتراض على الحكومة تحت عناوين كبيرة تتناول ما يدرج تحت حقوق المسيحيين، علما ان هذه المطالب محقة في بعض النقاط الدستورية، وتجد مناصرين لها لدى كل الافرقاء المسيحيين بنسب معينة لدى كل منهم، لكن من دون القدرة على الاتفاق على ما قد يكون ممكنا تصحيحه في هذا الاطار وفي اي ظرف ولأي مدى من دون المس بجوهر الطائف او فتح الاب امام مطالب من طوائف اخرى يمكن ان تنسفه.
في الشق الآخر من الرسالة ما يفيد بأن البطريرك تلقف من الزيارات التي قام بها للخارج او من زيارات الديبلوماسيين لبكركي ما تدور حوله مسودات الحلول السياسية للازمات المشتعلة في المنطقة من العراق فاليمن وسوريا. ففي شأن محاولات البحث عن صيغ مستقبلية للحكم قابلة للعيش بعد الزلازل التي ضربت هذه الدول، تقفز الى الواجهة في عواصم مؤثرة في القرار الدولي الصيغة اللبنانية للحكم التي تم التوصل اليها بعد الحرب الاهلية والتي تضمن مشاركة جميع الافرقاء السياسيين في الحكم على غرار ما كانت عليه صيغة الطائف. ولا يرى المتابعون في اي صيغة لمرحلة انتقالية او تسوية سياسية سوى التوافق في كل من هذه الدول على المشاركة في الحكم بنسب تحفظ لكل طائفة او مجموعة سياسية ما يمكن ان يشكل ضمانا لها. فتعثرت في العراق مشاريع التسويات في ظل العجز عن تسييل المشاركة السنية في السلطة التي تشكل ضمانا للسنة بحيث يمكن ان يطمئنوا من اجل المشاركة الفعلية في القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية. وفي سوريا كان العنوان ولا يزال البحث عن صيغة للحكم تؤمن مشاركة الجميع وتشكل ضمانا لهم في ظل مرحلة ما بعد بشار الاسد. ولذا لا يبدو بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية زائرة اي امكان لنسف اتفاق الطائف في هذه المرحلة.
فهل موقف البطريرك عفوي او هو مقصود قبل زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لبيروت غدا؟ تسأل هذه المصادر.