IMLebanon

  صراع المصالح والعصبيات في نظام فيتوقراطي

 

ليس الرهان على تطوير الحياة السياسية والحزبية وبالتالي النظام اللبناني عبر قوانين الانتخاب سوى حلم رومنطيقي جميل. فنحن في نظام طائفي جامد، وان تبدّلت مواقع الطوائف فيه، بحيث يتحكّم بالانتخابات مهما تكن القوانين ويعيد انتاج نفسه. وهو نظام وصفه فرانسيس فوكوياما بأنه صارم جدا يحتاج الى مرونة لاعادة توزيع السلطة، ولا صيغة بديلة من التعايش إلاّ التقاتل. لا بل يعاني من مشكلتين، في بلدان أخرى حددهما أوباما في كتاب عنوانه نظام سياسي، وتآكل سياسي بأنهما: اللامساواة والفيتوقراطية. فحين وصلنا، بالاضطرار لا بالخيار، الى قانون على أساس النظام النسبي الذي يضمن صحة التمثيل وشموليته وتطوير الحياة السياسية والحزبية، مسخنا النسبية بالصوت التفضيلي لمرشح واحد. ومسخنا حتى الصوت التفضيلي بجعله على أساس القضاء لا الدائرة الانتخابية. والنتيجة تصويت مذهبي.

 

 

 

مفهوم ان ممارسة الديمقراطية في لبنان مملوءة بالسلبيات الى جانب بعض الايجابيات، وان الحياة السياسية والحزبية ناقصة. لكن لبنان لم يشهد في تاريخه هذا المدى من الانحدار في المبادئ والقيم والمثل لحساب المصالح الضيّقة. فكل طرف يبدو جاهزا لأي نوع من التحالف والافتراق: التحالف مع خصومه والافتراق عن حلفائه لخدمة مصالحه. وكل طرف يعرف انه في حاجة الى خصم لكي يجذب الناخبين الى شعاراته المناقضة لشعارات الخصم، وبالتالي محاولة الفوز بالاتكال على ما هو ضدّه وليس على ما هو عنده. فضلا عن ان التدني في الخطاب وصل الى أسفل ما يكون مع كثير من الوقاحة في تبادل الشتائم والاتهامات والاستخفاف بالفضائح. والصورة باختصار هي: ألسنة طويلة وجيوب واسعة.

صحيح ان القاعدة في البلدان المتقدمة هي ان السياسة صراع مصالح، لا صراع عصبيات. لكن الصحيح أيضا ان صراع المصالح يعكس مصالح الطبقات الاجتماعية ويدار بالوسائل الديمقراطية تحت سقف المصلحة الوطنية العليا التي تحمل نوعا من القيم والمثل المشدودة الى العصب الوطني القوي. أما صراع العصبيات في البلدان المتخلّفة، فانه يعكس مصالح الطوائف والمذاهب والاتنيات والقبائل ويدار بالعنف والغلبة. ونحن نمارس عمليا أخطر سياسة هي صراع المصالح والعصبيات معا.

المصالح الضيّقة بأقل قدر من الالتفاف الى المصلحة الوطنية وحتى بأكبر قدر من الخلاف على تحديد المصلحة الوطنية. والعصبيات الواسعة المفتوحة على أزمات متبدّلة على سطح أزمة ثابتة في العمق، وعلى حرب أهلية دائمة مرة باردة ومرة حارّة، مع استجداء التدخلات الخارجية ان لم تبادر القوى الاقليمية والدولية الى التدخل.

والعالم أكثر رأفة منّا بلبنان.