IMLebanon

خطـر صــراع الدول العظمـى على المسرح السياسي الشرق أوسطي

 

 

يظهر من خلال الأحداث القائمة في منطقة الشرق الأوسط وفي بعض المناطق العربية منها لبنان وجزء من دولة فلسطين أنّ هناك عملية منافسة كبيرة لا بل دموية في صلب الإستراتيجيات التي تعتمدها الدول الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وحلفائها والتي تعمل جاهدةً للتأثير على الوضع في بالمنطقة. وبكوني باحث سياسي وناشط في الشأن العام ومراقب في المنطقة ولي أكثر من علاقة مع مراكز أبحاث بصفتي أحد أفراد الهيئة التأسيسية لـ«مركز المشرق للدراسات والأبحاث»، أرى أنّ هناك لاعبين كبار على المسرح السياسي الدولي وعلى سبيل المثال لا الحصر: الولايات المتحدة الأميركية – روسيا – الصين – فرنسا، حيث يرون أنّ مجرى الأحداث في المنطقة حاسم لتحديد نوع النظام السياسي الذي بإمكانه التحكُّم بمسار الأمور.

في هذا السياق برزت الحرب بين منظمة «حماس» ودولة إسرائيل تحت عنوان «حقوق الشعب الفلسطيني» ولكن ضمنياً وحتى عملياً هناك على ما يبدو صراع أميركي – روسي تحت ستار الإطباق على خيرات المنطقة التي تتأرجح بين السلم والحرب، والواضح أنّ روسيا تسعى من خلال المعارك الدائرة في «قطاع غزّة» على الحــد من تزايد النفوذ الأمركي حول هذه المنطقة وعرقلة أي عملية تفاوضية بإمكانها ربما إيجاد بعض المخارج للأزمة الإقليمية وأعني أزمة فلسطين المحقة. وعلى ما يبدو ووفقاً لبعض المعطيات التي تُبديها بعض القنوات الدبلوماسية أنّ روسيا بشخص إدارتها وسياستها الخارجية التوسعية وإنطلاقاً من حربها مع أوكرانيا تريد إفهام الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول في منطقة الشرق الأوسط أنها قادرة على الأقل عرقلة أي مسعى دونما المرور بتأمين مصالحها في منطقة الشرق الأوسط.

 

يكاد يكون هناك شبه تأكيد وحتى نوع من الإجماع في كل الدوائر الدبلوماسية وحتى مراكز الأبحاث أنّ العلميات الحربية في «قطاع غزة» أصبح أمراً محتوماً ويتجه نحو الحسم، غير أنّ الإختلاف في وجهات النظر يبرز في الكيفية التي سوف سيكون عليها هذا الحسم ومآلاته، وردود فعل القوى الدولية – الإقليمية – المحليّة. من هنا برزت الواقعية في توصيف الأمر والتي تتحدث عن حتمية المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وبعض الأنظمة في الشرق ضد روسيا ومن يتعاون معها في هذا السياق، وإنّ حجم هذا التعاون والتداخل بين هذه القوى خصوصاً في الجوانب العسكرية – السياسية – الاقتصادية – الإجتماعية، سوف يكبح أي إحتقار للنفوذ في هذه المنطقة علماً أنه تبرز نظرات متشككة بشكل أكثر تحفّظاً من مستقبل علاقة دولة إقليمية تبنّت «منظمة حماس» في السابق.

 

وبالنظر إلى طبيعة النظام السياسي الدولي وهيكليته والتمعّن بالمتغيّرات التي طرأت بعد عملية «منظمة حماس» وخرقها للحدود الإسرائيلية يمكن القول أنّ هناك نوعًا من القناعة ربما تشكل في بعض مراكز الأبحاث ذات العلاقة بالتطورات بين «قطاع غزة» وإسرائيل إلى حرب عسكرية واسعة النطاق أصبح خياراً لدى النظام السياسي الدولي وأنّ منطق الحسم بات على قاب قوسين من الإحتكام إليه. ومن الملاحظ أنّ المنطقة أضحت بالنسبة لأجندة السياسات الدولية موضوعًا لعملية التأهيل أو التغيير منذ أنّ قرّرت روسيا عرقلة المساعي السلمية الهادفة إلى حل القضية الفلسطينية تحت عنوان «الأرض مقابل السلام».

من خلال ما يحصل حالياً بين «حركة حماس» ودولة إسرائيل، تحاول روسيا أن تدخل النطاق الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط محاولة عرقلة أي مشروع لا يتلاءم مع مصالحها وهذا المشروع يحمل العنوان التالي «الرؤية العربية لمفهوم الشرق الأوسط، والتي تعتمد على حل الدولتين»، والهدف الروسي على ما يبدو هو منطقة الشرق الأوسط من الناحية الجغرافية والتي تتقاطع فيها الجيوبوليتيكية العربية – الإسلامية – المسيحية – اليهودية، ومن ثم فإنّ هذه المنطقة تشهد مساحة كبيرة من التفاعلات التاريخية – الفكرية ما يدفع الدبلوماسية الروسية إلى خوض غمار التدخل في هذا الشرق لإثبات النفوذ والوجود.

صراع اليوم وتفاعله بهذه الحدّية وهذه الصورة الوحشية المعتمدة وسكوت العالم يُظهر أنّ المحنة تُلاحق الفلسطينيين من جديد بعدما طاردهم القدر الوجودي منذ «وعــد بلفور»، يبدو إنه قدر الشعب الفلسطيني في لعبة الأمم. وبعيداً من الأزمة الإنسانية والخلفية التاريخية الممتدة لعقود من الزمن، فإنّ أزمة اليوم على بعض سكّان دولة فلسطين أي «منطقة غزّة» له أيضا تداعيات دولية – دولية – إقليمية متعددة، والظاهر أنّ التنافس بين روسيا وحلفائها غير المعلنين ربما والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا ليس بعيداً من تأجيجها، والوقائع أثبتت أنّ موسكو سعت منذ لحظة الإتفاق الصيني – السعودي – الإيراني، إلى تخريب أي مسعى تفاوضي بشأن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وما تلاه من مسعى لإحتمال إبرام إتفاقات عربية – إسرائيلية ضمن شروط «الأرض مقابل السلام» ومبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبدالله بن عبد العزيز للسلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين والتي هدفها «إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين وإنسحاب من هضبة الجولان، مقابل إعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل وكانت في العام 2002 ، وقد تمّ الإعلان عن مبادرة السلام العربية في القمة العربية في بيروت وقد نالت هذه المبادرة تأييداً عربياً». هذا في الشكل أما في المضمون فقد كانتْ هناك مساعٍ لتقريب وجهات النظر بين المتحاورين لازمتها محاولات لقضم هذه المساعي تارة بثوب إقليمي وتارة بثوب دولي وإنّ اللبيب من الإشارة يفهم.

خطر صراع الدول العظمى على المسرح السياسي الشرق أوسطي حصل وبصورة دموية وها نحن اليوم نرى الآلاف من الفلسطينيين يسقطون تحت القصف الأعمى ونرى لعبة أمم مضللة تناور دونما إدراك مخاطــر تلك الحرب، ومن الملاحظ أنّ «قطاع غزّة» هو الضحية الأفضل للعبة الأمم. من الملاحظ أنّ «حركة حماس» جعلت القضية الفلسطينية في مهب الريح لعدم تداركها خطورة ما سيحدث من تفاعل محلي – إقليمي – دولي… إنني كمواطن لبناني مشرقي عربي أخشى على القضية الفلسطينية والتي باتت مع «حركة حماس» بعيدة عن ذاك التعاطف والدعم الذي لازم القضية طوال الأربعينات والستينات والسبعينات والثمانينات وبداية الألفية الثانية مع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية… على ما يبدو مع «حركة حماس» لم تعُد فلسطين أيقونة العرب، فبالبرودة يستقبل الشعب العربي العدوان على غزّة بحيث لم نلاحظ له أي إنعكاس فعّال في بعض الأنظمة العربية والدولية…