IMLebanon

نجاح حملة مكافحة الفساد يتطلَّب ملاحقة جميع المرتكبين دون أي إستثناء

 

أحد أسباب التوتُّر السياسي توقُّف ملاحقة مرتكبين محميِّين سياسياً

 

التمييز الفاضح في الملاحقات موجَّه للإنتقام السياسي  وتصفية الحسابات وليس لإصلاح الإدارات العامة ومؤسّسات الدولة

يلاحظ أن حملة مكافحة الفساد التي تبناها العهد والحكومة وكانت مغطاة من معظم الاطراف السياسية منذ بدايتها وشملت مؤسسات مدنية رسمية وأمنية وعسكرية ونقابية، قد تعثرت بعد ان اقتصرت على ملاحقة وتوقيف موظفين ومسؤولين ومحامين وغيرهم ممن ينتمون لأهل «السنّة» وبعضهم يدور في فلك «تيار المستقبل» أو يواليه بشكل غير مباشر أو بعض غير المحسوبين على أي جهة سياسية معينة، في حين تبين ان هذه الحملة توقفت عن ملاحقة أو توقيف العديد من الموظفين والقضاة وغيرهم أو حتى في النقابات الأساسية المعروفة ممن تحوم حولهم الشبهات والاستفسارات وبعضهم متورط بارتكابات موثقة ومفضوحة ويلوذون بحماية وغطاء «التيار الوطني الحر» وحلفائه طائفياً وسياسياً بالتزامن مع استمرار هؤلاء المتورطين بممارسة مهماتهم والتباهي علناً بمخالفة القوانين، ما طرحه أكثر من تساؤل واستفسار حول مآل شعارات مكافحة الفساد ومصير الحملة كلها، في ضوء هذا التمييز الفاضح في الملاحقات التي قد تكون موجهة للانتقام السياسي وتصفية الحسابات وليس القيام بإصلاح الإدارة العامة ومؤسسات الدولة وتنقيتها من العناصر والموظفين الفاسدين.

 

ولا شك أن هذا التمييز الفاضح في الملاحقات ومكافحة الفاسدين ممن تثبت إدانتهم حسب القوانين المعمول بها وليس استناداً إلى الإشاعات والأقاويل من هنا وهناك، لن يزيد في نقمة المواطنين من مختلف الطوائف والمذاهب والتوجهات السياسية، بل سيؤدي إلى تداعيات وانعكاسات خطيرة على مستويات عدّة، أولها انعدام الثقة بالسلطة عموماً وتزايد حملة الاحباط والتذمر لدى المواطنين جرّاء عدم التزام العهد بتنفيذ وعوده وترجمة شعاراته واقعياً بالتساوي ودون تمييز أو تفرقة بين أبناء الشعب اللبناني.

 

ثانياً: تردي علاقات الأطراف السياسيين بين بعضهم البعض جرّاء تحويل الملاحقات والسلطات القضائية للاقتصاص السياسي، ما ينعكس سلباً على وضعية الدولة ككل وعلى الحكومة وقدرتها في ممارسة مهماتها والقيام بالواجبات الملقاة على عاتقها في مختلف المجالات والحقول.

 

ثالثاً: تقليص ثقة الخارج بالدولة اللبنانية وانعدام الثقة بها، مع ما يؤدي ذلك إلى اضرار وانعكاسات سلبية على لبنان.

 

ولذلك، فإن من أولى موجبات نجاح شعارات الإصلاح ومكافحة الفساد، إزاحة الغطاء السياسي عن أي موظف أو مسؤول في أي سلك كان أو إدارة مدنية وغيرها، إذا كان مشتبهاً فيه أو مرتكب وشمول مبدأ الملاحقة جميع المرتكبين دون تمييز أو تفرقة سياسية أو دينية بينهم كما كان يحصل حتى الأمس القريب، والا فإن مصير هذه الحملة والشعارات والمواقف المروجة لها سيكون الفشل الذريع في النهاية، لا سيما وأن تجارب فئات عديدة من المواطنين مع محاكمات «المحكمة العسكرية» على مرّ السنوات الماضية ليست مشجعة، بل تكاد تكون محبطة باعتبارها في نظر هؤلاء تميز في احكامها حسب الانتماءات السياسية للمرتكبين وليس استناداً إلى التهم والجرائم المرتكبة.

 

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى ان من أحد أسباب التوتر السياسي الذي شهدته الساحة السياسية مؤخراً التعثر الظاهري في مسار مكافحة الفساد المستشري ومحاولة حماية أو تأخير ملاحقة بعض الموظفين أو المسؤولين المتهمين بارتكابات فساد وغيرها أو ما شهدته المحكمة العسكرية من تجاوزات لم تكن موضع ارتياح للعديد من كبار المسؤولين وشرائح واسعة من اللبنانيين.

 

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل أدّت هذه الوقائع إلى تعطيل جزئي لعمل الحكومة وانعكست سلباً على واقع العلاقات بين أطراف السلطة ومكوناتها وكادت تتسبب بازمة سياسية لو لم تتم معالجتها وتطويقها والاتفاق بين أركان السلطة على الالتزام بتنفيذ حملة مكافحة الفساد لتشمل جميع المرتكبين والإدارات ولا تستثني أحداً.

 

وعلى هذا الأساس، يتوقع ان تستمر الحملة في الأيام القليلة المقبلة لتطال باقي الموظفين والمسؤولين المرتكبين ولا سيما الذين وردت اسماؤهم على لوائح الفاسدين في سلسلة من الفضائح التي كشف النقاب عنها في الأشهر القليلة الماضية لملاحقتهم واحالهتم إلى القضاء المختص، اما إذا دخلت هذه المسألة في حسابات الابتزاز السياسي كما حصل في أوقات سابقة، فإن الحملة برمتها ستدور في حلقة مفرغة وسيكون مصيرها الفشل كما العديد من الشعارات الفضفاضة الأخرى التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ العملي على الأرض.