نجاح خطة رئيس الجمهورية بمكافحة الفساد رهن بتعميمها على الجميع دون استثناء
انتفاضة وزراء «التيار العوني» على طلب جعجع إصلاح الكهرباء مؤشر لا يبعث على الارتياح
السؤال المطروح: لماذا يبقى قطاع الكهرباء حكراً على دائرة «التيار العوني» وحده ويمنع التطرق إلى إصلاحه من خارج هذه الدائرة، مثلما حصل مع «القوات»؟
لوحظ ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لا ينفك منذ توليه مهامه الرئاسية على التأكيد امام زواره بضرورة انتهاج الدولة اسلوباً جديداً لمحاربة الفساد ووقف الهدر واعتماد الشفافية وتكافؤ الفرص في تلزيم المشاريع المطروحة، كما صرّح بذلك امام وفد من المقاولين زاره مؤخراً في قصر بعبدا.
ولكن بالتزامن مع إطلاق هذه المواقف المتكررة لرئيس الجمهورية، حدثت مشادة كلامية حادّة بين «القوات اللبنانية» و«التيار العوني» على خلفية مطالبة رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع بضرورة تضمين مشروع الموازنة خطة لخصخصة قطاع الكهرباء ككل، انطلاقاً من الحرص على تغيير النمط الحكومي الفاشل في إدارة هذا القطاع الحيوي والضروري في حياة اللبنانيين.
ولأجل وضع حدّ لهذه المشكلة المزمنة التي كلفت خزينة الدولة مليارات الدولارات وأرهقت جيوب النّاس الذين باتوا يدفعون مرتين لتوفير التيار الكهربائي لمنازلهم.
وكانت ردة فعل «التيار العوني» بلسان وزرائه في الحكومة، أكان وزير الكهرباء الاصيل أو وزير الظل على مطلب القوات بهذا الخصوص عصبية أكثر من المتوقع، وكادت تؤجج أجواء العلاقات بين الطرفين نحو الأسوأ لو لم يتم تداركها وإعادة الطرح القواتي إلى حدود التمني وليس المواجهة لتحقيق هذا المطلب الذي يهم كل لبناني دون استثناء. وبدا للجميع من ردة فعل الوزراء العونيين الهوجاء على مطلب القوات وكأنه من غير المسموح لأي طرف كان حتى ولو كانت القوات التي انتظمت علاقاتها مع العونيين ضمن ما سمي بالتفاهم بين المسيحيين، إثارة مشكلة الكهرباء أو وضع أي تُصوّر للحلول المطروحة وإبقاء هذا القطاع بكل عيوبه وثقله ومؤثراته الضارة والسلبية حكراً على دائرة «التيار العوني» دون غيره من الأطراف السياسيين المؤثرين أو الثانونيين.
كما تزامنت مواقف الرئيس عون الداعية لمكافحة الفساد إلى تحريك القضاء للتحقيق بما سمي «الفساد» في السوق الحرة بمطار بيروت الدولي والتصويب نحو قطاعات أخرى مهمة في الاقتصاد اللبناني مترافقة بحملات إعلامية منظمة تشوه سمعة هذه القطاعات مسبقاً كما حصل مع شركة «سوكلين» في السابق وغيرها، بالرغم من نجاح هذه القطاعات في المهمات المنوطة بها وتقديم نماذج ناجحة للخارج والداخل على حدّ سواء.
ولا شك ان توجه رئيس الجمهورية لاعتماد سياسة مكافحة الفساد ووقف الهدر وتحقيق تكافؤ الفرص بين اللبنانيين، هي سياسة يتمنى معظم المواطنين تنفيذها على قدم المساواة بين الجميع لأنها تنقل لبنان إلى مرحلة متقدمة على طريق التعافي ووضع حدّ للتمييز بين اللبنانيين وإراحة الاقتصاد الوطني والنهوض بالوطن على كل المستويات.
ولكن ما حصل الأسبوع الماضي بالمقارنة بين المواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية لمكافحة الفساد وغيرها وتحريك القضاء ضد قطاعات اقتصادية من خارج دائرة «التيار العوني» واستمرار التعامي عن مشكلة الكهرباء لأنها تخص المقربين والمحسوبين على هذا التيار، فهذا يعني ان لبنان دخل في مرحلة جديدة من المحسوبيات والمنافع، لا يمكن من خلالها اعتماد سياسة التغيير أو الاصلاح أو وقف الهدر والفساد المستشري في كثير من القطاعات في ظل نظام الحمايات السياسية المتبع.
فالكل يعرف مدى الضرر الذي يلحقه سوء التغذية بالتيار الكهربائي على الحياة اليومية للناس وتأثيره في إعاقة تحريك الدورة الاقتصادية وحجم الفوضى التي تسود هذا القطاع والفشل الذريع لوزراء التيار العوني الذين تعاقبوا على تسلم مسؤولية ادارته منذ العام 2009 وحتى اليوم والاموال الطائلة التي صرفت عليه دون طائل.
والسؤال المطروح لماذا يبقى هذا القطاع حكراً على دائرة «التيار العوني» دون غيره ويمنع التطرق إلى المباشرة باصلاحه انطلاقاً من السياسة التي ينادي بها رئيس الجمهورية في كل مناسبة كما حصل عندما طالبت القوات بهذا الطرح مؤخراً ولاقت تجاوباً بهذا الخصوص من اكثرية اللبنانيين الذين يتوقون للتزود بالتيار طوال النهار انطلاقاً من الوعد الذي قطعه وزير الكهرباء السابق جبران باسيل ولم يتحقق بالرغم من مضي ثلاث سنوات على الموعد المقطوع؟
فإذا كان رئيس الجمهورية جاداً في تنفيذ وعوده للبنانيين وتحقيق المساواة بين الجميع كما يُؤكّد لزواره في كل مرّة، فلا بدّ من اعتماد سياسة الإصلاح التي تطبق على الجميع حتى ولو كانت على المحسوبين او المقربين من «التيار العوني»، في قطاع الكهرباء، كما في غيره من اي قطاعات أو دوائر مشكوك في ادائها بالفعل وليس التصويب على قطاعات معينة لا تدين بالولاء للتيار كما يحدث الآن، وهي سياسة لا تبشر بالخير، وتعيد بالذاكرة الى أسلوب رئيس الجمهورية الأسبق اميل لحود الفاشل والمدمر ولئلا تبقى وعود الرئيس نافذة على ناس وناس وليس على كل النّاس.