IMLebanon

النجاح الأمني والفشل الرئاسي

بعد نحوِ عام على تأليف حكومة “المصلحة الوطنية” برئاسة تمام سلام، من المفيد الإضاءة على أبرز نجاحاتها وإخفاقاتها، على مختلف الصعد، وتحديداً على الصعيدَين الأمني والسياسي.

في الفترة الممتدّة لعشرة اشهر بين تكليف رئيس الحكومة وتأليفها، تدهور الوضع الامني الى مستويات خطيرة، استطاع خلالها الإرهابيون ضرب الضاحية الجنوبية والبقاع بموجة من التفجيرات والعمليات الانتحارية، وتهديد السلم الاهلي، ووضع البلد امام مخاطر أمنية كادت تطيح الحدّ الادنى المتبقي من هيبة الدولة والجيش والمؤسسات الامنية.

وصل لبنان في تلك المرحلة الى شفير الانفجار، كانت طرابلس مشتعلة، وكادت النيران تنتقل الى البقاع وبيروت من خلال الاشتباكات التي شهدتها العاصمة في الحيّ الغربي من محلّة “الطريق الجديدة”، لولا الارادة السياسية التي استنقذت الموقف بتأليف الحكومة بالصيغة القائمة حالياً.

فلسفة قوى “8 آذار” في الشراكة مع قوى “14 آذار” حكومياً، وما يعنيه ذلك من عودة قوية لهذا الفريق الى السلطة، قامت على إيلاء الشأن الامني الاولوية القصوى، والحدّ من التدهور الذي يُهدّد بدخول لبنان في قائمة الدول الفاشلة وغير المستقرة.

في العمق كان التفكير أيضاً منصبّاً على تأمين مناخات داخلية تصبّ في خانة الاستقرار وانتخاب رئيس جديد للجمهورية. كانت ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان قد شارفت على نهايتها، والجميع أدرَك مبكراً صعوبة انجاز هذا الاستحقاق في موعده نظراً الى الانقسام الحاد في الواقع السياسي اللبناني، معطوفاً على حروب اقليمية صغيرة في الدول المجاورة اجتاحت حدودنا السياسية، وأثّرت في خيارات الافرقاء الداخليين وعطلت فيما عطلت وصولَ رئيس مسيحي جديد الى بعبدا.

نجحت الحكومة بتوافقِ كلّ مكوّناتها في الجانب الامني، وفشلت في الشق المتعلق بالرئاسة. النجاح الامني تسهل ملاحظته من خلال انحسار العمليات الارهابية في الداخل، وتنفيذ الخطة الامنية في كلٍّ من طرابلس والبقاع وقريباً في بيروت والضاحية الجنوبية.

والفشل السياسي يمكن ملاحظته ايضاً من خلال استمرار الفراغ في القصر الرئاسي، مع العلم بأنّ مجلس الوزراء كمؤسسة وكيان ليس مسؤولاً مباشرة عن الفراغ الرئاسي، ولكنّ الفشل أصاب مكوّناته في هذا الجانب ما ينعكس حكماً عليه من الناحية السياسية والرئاسية.

النجاح الامني جاء بقرار سياسي وبتفاهمات بين افرقاء الحكومة. ولا يزال الجيش والمؤسسات الامنية في اطار العمل اليومي في مواجهة الاخطار. والاعتقالات الاخيرة ومعها اعترافات الموقوفين جنّبت لبنان خضات كانت على مشارف الوقوع، وهذا الامر جاء بتنسيق بين أجهزة الدولة وبينها وبين جهاز أمن المقاومة الذي ساهم مساهمات جدية في الكشف عن شبكات التخريب والارهاب وتلك التي تتربّص بالامن اللبناني.

هذه الجُهود الأمنيّة حقَّقت انجازات استباقية ومنعت مرور السيارات المفخخة عبر الحدود ناحية عرسال، وعطلت قدرات الخلايا الارهابية في الداخل من خلال الكشف عن أبرز رموزها واعتقالهم.

وفي هذا السياق ترى أوساط امنية رفيعة “أنّ الوضع الامني الى مزيد من التحسّن في ظلّ التوافق السياسي داخل الحكومة وخارجها، وذلك في اشارة الى الحوار القائم بين تيار “المستقبل” و”حزب الله”. وأكدت الاوساط عينها انّ الايام المقبلة ستحمل مزيداً من الإنجازات الامنية التي ستُعزّز الاستقرار الامني وتؤكد هيبة الدولة وحضورها بمختلف مؤسساتها المعنية بالشأن الامني.

الواقع الامني المستقرّ من ابرز عوامل تأمين الانتخابات الرئاسية. الجميع مدرك صعوبة التفاهم على هذا الملف حالياً، ولكنّ الحفاظ على الدولة معنوياً وتأكيد حضورها عبر الجيش والمؤسسات يصبّ في خانة الحفاظ على “الجمهورية” التي سيحكمها الرئيس المقبل. فلو ظلت حال التدهور الامني التي وصلنا اليها قبل تأليف حكومة الرئيس تمام سلام قائمة، لسقط الكيان ومعه الصيغة والجمهورية، وما بقي من البلد شيء ليحكمه رئيس.