IMLebanon

الانتشار المفاجئ للجيش في عرسال: تسوية سياسية أم “استدراك ميداني”؟

هل أتت خطوة انتشار الجيش المفاجئة في عرسال نتيجة تسوية سياسية نُسج بعض خيوطها في اللقاء الذي تمّ أخيراً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وبين وزير الداخلية نهاد المشنوق بهدف تعطيل لغم عرسال الذي وضع المشهد السياسي برمته على حافة مزيد من التأزم القابل للانفجار، خصوصاً بعد السجالات الأخيرة على خلفية هجوم “حزب الله” على جرود القلمون، أم أنها استدراك ميداني بسيط لتعطيل مفاعيل حملة ضغط سياسي شديدة الوطأة مارسها “حزب الله” وحليفه “التيار الوطني الحر” داخل الحكومة وخارجها، لاسيما بعدما ربطا بشكل محكم بين مسألتي التعيينات الأمنية والتعجيل في معالجة الوضع القابل للانفجار في عرسال وجرودها؟

لاسؤال الأهم يبقى: هل أن الخطوة المباغتة للجيش قد طوت ملف عرسال المفتوح منذ فترة على مزيد من الاحتمالات التفجيرية، واستطراداً هل سيجد “حزب الله” في هذه الخطوة ما يحقق الشعارات التي رفع لواءها منذ رفع سيده الصوت مطالباً الحكومة بحسم عاجل للوضع في تلك البقعة الحدودية الطرفية قبل أن تبادر قوات الحزب المتقدمة الى معالجة الموقف على طريقتها على نحو ينهي تعطيل ما وصفه بأنه قنبلة موقوتة لن يقبل باستمرارها؟

الاجابة الفصل عن هذه التساؤلات تحتاج الى بعض الوقت، لكن في كل الحالات ثمة معطى مستجد مهّد له كلام قاله قائد الجيش العماد جان قهوجي، وبالتالي لا بد من ان يأخذه الجميع وفي مقدمهم الحزب في الاعتبار والتوقف عنده ملياً قبل ان يبني على الشيء مقتضاه ويحدد الخطوة والموقف التاليين، خصوصاً ان ثمة من يتعامل مع خطوة الجيش على انها مجرد تعزيز لمواقعه عند بعض مداخل عرسال، وان لاعتبار ان البلدة قد عادت جدياً الى الحضن الأمني للدولة شروطاً ووقائع تحتاج الى وقت للتيقن منها وفي مقدمها الانتشار في طول البلدة وعرضها والقبض على كل المطلوبين والمشتبه فيهم.

وبصرف النظر عن أبعاد هذه الخطوة وتفسيراتها وما اذا كانت نهاية لواقع وصفه الوزير المشنوق يوماً بأنه احتلال للبلدة من جانب المسلحين لاسيما بعد أحداث 2 آب الماضي أم لا، فان ثمة من يرى ان المشكلة الأكبر تبقى في جرود البلدة حيث لا يمكن أحداً ان ينفي انها بؤرة انتشار وتجمّع للمجموعات المسلحة التي لم تنفك تفصح عن رغبتها في تصفية حساب قديم متجدد مع قوى لبنانية.

وفي كل الاحوال ما حصل في الساعات القليلة الماضية في عرسال قد يكون كرّس عنصر اطمئنان لاهالي البلدة، وقد يفسره البعض عنصر تطمين للحزب أو معطى مستجداً سيؤدي الى تفريغ حملته الأخيرة من زخمها ويفقده أوراقاً أساسية، لكنه بالتأكيد ليس قفلاً لباب الاحتمالات هناك وطياً نهائياً لقضية أقضت المضاجع.

لم يعد خافياً أن “حزب الله” بات يعتبر ان تحرك مجموعاته في جرود القلمون والتقدم الميداني الذي أحرزته هناك فرض على خصومه رزمة وقائع سياسية عسكرية لا يمكنهم تجاوزها أو ضرب الصفح عنها واعتبارها نسياً منسياً كما في السابق، وأبرز هذه الوقائع:

– لم يعد بالامكان بعد اليوم ارجاء الحديث عن الوضع في عرسال وجرودها، بل ان هذا الوضع عاد بقوة الى صدارة المشهد وصار الفريق الآخر امام احتمالات أحلاها مرّ، فإما رفض التجاوب مع ما يرفعه الحزب من مطالب ويدعو اليه سيده وهو ما يمكن اعتباره تجاهلاً غير مبرر للأزمة أو دفاعاً غير مستساغ عن وضع صار أكثر من أي وقت مضى قابلاً للتحول الى كرة نار، وأما الظهور بمظهر الدفاع عن وضع أقر الجميع في داخل مجلس الوزراء بأنه غير طبيعي وبات أمراً ينبغي معالجته سريعاً.

– لم يعد سراً ان ثمة مناخات لدى الحزب تشير الى أن حملة الضغط التي مارسها أخيراً أوجدت تبايناً في صفوف وزراء “تيار المستقبل” بين من يفضل التمادي في تجاهل الأمر وعدم الاقرار بخطورة الوضع ويدعو الى ملاقاة من يطالب بالمعالجة، وبين من يذهب في الصراع مع “حزب الله” على خلفية الحدث الى النهاية وعدم تقديم أية تنازلات أو البحث عن تسويات حتى لو اقتضى الأمر مزيداً من التجييش وجرعات الشحن المذهبي.

– ان الحزب يتصرف على اساس ان حملة الضغط التي يقودها سواء على المستوى الميداني او السياسي، ستفضي خلال وقت قصير الى تعطيل عنصر استفادة البعض من” لغم” عرسال، وبالتالي ستؤدي الى معادلات وتوازنات جديدة في الداخل وعلى الحدود، خصوصاً ان الحزب يقيم على اعتقاد ان زمن المجموعات الارهابية في عرسال وجرودها وزمن عبثها في الداخل اللبناني قد انطوى.

وعليه فان ثمة في الحزب مَنْ يرى ان الصوت العالي الذي يصدر عن خصومه في شأن عرسال والمتضمن تهديدات وتجييشاً لا يعدو كونه تغطية دخانية للتسليم بأمر واقع فرضه الحزب أخيراً وتحديداً بعد هجومه في القلمون.

– ان الحزب يعتبر ان انهاء ورقة عرسال وجرودها هو نزع لثالث ورقة قوة استغلها خصومه ضده وهي ورقة الشيخ أحمد الأسير في صيدا ثم ورقة الصراع في طرابلس والشمال وما يندرج تحته من بناء للمجموعات الارهابية التي تكفّل الجيش بتفكيك القسم الأكبر من أخطرها وخطرها.

– ان الحزب يعتبر انه نجح بالتعاون والتفاهم مع حليفه “التيار الوطني الحر” في أخذ زمام المبادرة من خلال التنسيق والتناغم داخل مجلس الوزراء وفي الربط بين بندي التعيينات الأمنية والوضع في عرسال على نحو حشر الخصوم وهدد بتعطيل مسيرة الحكومة وفرض عليهم التعاطي بجدية مع القضايا المطروحة، وبالتالي أقفل أمامهم باب اللجوء الى سلاح التأجيل والتسويف.

واذا كان ثمة من يرى أن الأمور مرهونة بخواتيمها، فالثابت حتى الآن ان هناك وضعاً مستجداً ليس بالضرورة مريحاً لخصوم “حزب الله”.