أم انتحار وطن ؟! العنوان الرئيسي للأزمة السياسية في لبنان هو انتخابات رئاسة الجمهورية. وكل طرف أعلن موقفاً له وجهان. وجه يعبر عن اقتناع حقيقي بأن موقفه هذا يخدم المصلحة الوطنية. ووجه آخر يدنوه أهمية ويتعلق في توظيف معركة الرئاسة في المناورة السياسية لتحقيق أهداف ومصالح أخرى! وعندما حان الموعد الدستوري لانتخاب الرئيس كان من المفترض أن تدرك الأطراف كافة أن حدود المناورة يتوقف عندما يلامس حدود المصلحة الوطنية العليا، بما يوجب أيضاً من تعديلات وتنازلات متبادلة في المواقف الأصلية، انطلاقاً من مبدأ أن الشغور الرئاسي هو نوع من التابو. وما حدث هو العكس، اذ تمسك كل طرف بموقفه الأصلي وبروح المناورة ومقروناً بالعناد… وهو الأمر الذي يفسح في المجال أمام استمرار الشغور الرئاسي الى أجل غير مسمى!
***
الدعوة الى انعقاد جلسة تشريع الضرورة تطرح الاشكالية نفسها اليوم، ولكن مع نتائج أكثر ضرراً وأوسع نطاقاً وأفظع تأثيراً على الوطن والمواطنين. ذلك ان الامتناع عن انتخاب الرئيس تنحصر أضراره على الداخل اللبناني فقط بصوة عامة. أما اضرار عدم انعقاد جلسة تشريع الضرورة فانه يزعزع اركان الدولة ووجودها على المستوى الدولي، نتيجة عدم اقرار مشاريع ذات طابع اقتصادي دولي في البرلمان، وهو الأمر الذي يغرس ألغاماً موقوتة في البنية الاقتصادية للبنان، ولا سيما في القطاع المصرفي الذي حافظ على مناعته على الرغم من كل الأزمات المالية التي زلزلت المجالات الاقتصادية والمصرفية في العالم منذ زمن غير بعيد.
***
عدم ادراج مشروع قانون الانتخابات النيابية على جدول أعمال جلسة تشريع الضرورة، هو ذريعة واهية لا تقنع أحداً، لسبب بسيط هو عدم وجود مثل هذا المشروع الانتخابي! والموجود هو مهزلة في شكل ١٧ مشروع انتخاب، يمثل كل منها قطعة من اللحاف الذي تمزق من كثرة الشد بين الأطراف المتنازعة عليه، وحول مكاسب هوية مشروع الانتخاب أكثري أو نسبي، وكذلك حول توزيع الدوائر الانتخابية بما يضمن غلبة فريق على فريق! ان اية مقاطعة كثيفة لأي طرف، وعزوفه عن حضور جلسة تشريع الضرورة انما يعني الاستمرار باختيار اسلوب المناورة لتحقيق مكاسب فئوية على حساب مصلحة الوطن ومصيره!
***
تعطيل جلسة انقاذ الضرورة بانعقادها تحت عنوان تشريع الضرورة، هو مناورة مصيرية ويتضمن معنى الانتحار السياسي… وعلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري ان يقرر بين مصيرين: مصير انتحار فئة سياسية بمقاطعة جلسة تشريع الضرورة؟ أم انتحار وطن بالامتناع عن عقد تلك الجلسة؟!