كان «السلطان» وعاد أقوى مما كان. احدث الطيب رجب اردوغان، مفاجأة كبيرة بهذا الفوز الكبير. قبل اربع وعشرين ساعة فقط شكك الاعلام الغربي والممانع العربي بفوز اردوغان وكادوا يعلنون دفنه سياسيا، حتى صحيفة «اللوموند» الرصينة طبلت لهزيمته المؤكدة. الطريف والمؤلم ان موفدتها الى اسطنبول لم تترك اي نسبة من الشك لعدم الهزيمة. السؤال الكبير كيف ربح اردوغان رهانه على الفوز وحصوله على الأغلبية المطلقة؟
قام اردوغان بانقلاب على استراتيجيته الانتخابية. أعاد الاعتبار لوجوه قديمة غنية بالتجربة. لكن الأساس كان في استعادته جزءا أساسيا من اليمين الوطني ومعظم الأتراك الذين اقترعوا في الانتخابات السابقة للاكراد في «حزب الشعوب الديموقراطية». نجح ايضا في تحجيم حضورهم في البرلمان دون ان يلغيهم، فسحب منهم ورقة الاتهام بوقوع اي تزوير. الإقبال على الاقتراع أعطى الانتخابات مصداقية نادرة في الانتخابات الشرق اوسطية. خرج الجميع من الانتخابات راضيا خصوصا ما يتعلق بشفافيتها. يستطيع اردوغان ان يقول للروسي والايراني هذه انتخابات وانتخاب الاسد الذي تصرون على شرعيته وشرعية انتخابه، انتخابات؟ .
اردوغان لم يعد فقط «سلطانا» وإنما ايضا من حقه ان «يسلطن» بانتصاره الكبير. يستطيع ان يشكل حكومة وحده دون شراكة مع احد. باختصار ستكون حكومته وسياسته داخليا وخارجيا. لكن هذا الانتصار ليس كاملا بالنسبة الى «السلطان». لن يستطيع اردوغان تغيير الدستور لانه ينقصه عدة نواب. الشعب التركي أعطاه كثيرا وحجب عنه تنفيذ حلمه بتحويل النظام الحالي الى نظام رئاسي. من غير المعروف ما اذا كان يمكنه التغيير من ضمن قواعد الدستور، كأن ينضم نواب مستقلون الى كتلته. يبقى امام «السلطان» امتحان كبير وضعه لنفسه وهو ان تكون تركيا عام 2023 بين الدول العشر الكبرى في العالم فتبدأ بها تركيا، في ذكرى اتاتورك المئوية، المرحلة «الأردوغانية».
امام «السلطان» من الآن وحتى العام 2023 الكثير من المهمات وتجاوز «حقول الألغام» الخارجية. انتهت منذ فترة طويلة مرحلة صفر مشاكل. المرحلة القادمة مليئة بالمشاكل. العقدة او المركز هي سوريا. معها وعبرها عليه مواجهة العلاقات مع كل من: «القيصر» ، والولايات المتحدة الأميركية والمرشد الإيراني والاتحاد الاوروبي وتحديدا فرنسا وألمانيا، وأخيرا العرب ومركزهم السعودية. مثل باقي الدول – الأطراف ليس أمامه في المرحلة القادمة سوى التصعيد لتأكيد موقعه في الحرب والسلام. هذا التصعيد يمكن ان يأخذ أشكالاً عدة وفي أمكنة مختلفة :
[ الإصرار على إقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا. المشكلة في روسيا التي حكما لن تقبل بها، لانها تحد من حرية طيرانها الحربي. البديل في منح المعارضة السورية المزيد من الأسلحة ذات النوعية المتطورة. السؤال هل من المسموح تمرير بعض صواريخ ارض – جو للردع، وليس لإلحاق الهزيمة؟ موسكو سترفض بقوة خصوصا وان بضع مئات من صواريخ ارض – ارض غيرت مجرى الهجوم السوري – الإيراني – الحزب اللهي – الروسي وجعلت «القيصر» يعيد حساباته.
[ كيف سيتعامل مع الاتحاد الاوروبي الذي يحابي الأكراد ويتساهل البعض منه مع الاسد؟ يستطيع»السلطان» ان يهدد وحتى ان يطلب ثمنا لأي تراجع منه. يوجد في تركيا مليونا سوري حاليا. على الغرب وتحديدا أوروبا التعامل معه في هذه القضية بحذر شديد. يستطيع «السلطان» التهديد بفتح الحدود باتجاه أوروبا امام السوريين فتقع الكارثة، خصوصا لألمانيا وفرنسا.
[ ايران وحدها مشكلة كبيرة لانها ما زالت تعتبر الاسد خطا احمر لا ترضى بسقوطه في حين تركيا لا تقبل الا بسقوطه مع بعض الاعتدال في مسار هذا السقوط. لن تصطدم تركيا مع ايران، لكن الانزلاق ممكن وخطير، لان ايران ترسل المزيد من «الحرس الثوري» الى الجبهات السورية. تركيا لن تقبل بسقوط حلب وهذه نقطة صدام خطيرة. كيف سيتعامل «السلطان» المتحرر من الامتحان الشعبي مع المرشد الذي عليه مواجهة الاستحقاق الانتخابي القادم؟
[ التعامل مع الحلف الأطلسي صعب جدا لان المطلوب عدم الوصول الى مرحلة اختبار المواجهة بين روسيا والحلف الأطلسي. مثل هذا الاختبار خطر على الجميع.
[ يبقى الرئيس اوباما وهو عقدة العقد. كيف سيتعامل الرئيس الأميركي مع الرئيس التركي؟ لا يستطيع اوباما إهمال الحليف التركي، ولا يمكن أشعاره بانه طليق اليدين لان طموحات «السلطان» وتحول الصراع مع الاسد الى صراع شخصي مليء بالأحقاد لا يترك مجالا للاعتدال .
يبقى امام الرئيس التركي اردوغان مشكلة الأكراد كمشكلة داخلية قومية. لا يمكن ان تكون تركيا قوية وتكون أقوى وفي قلبها هذه المشكلة بلا حل. الحرب لن تنهيها بالعكس ستعمق المشكلة وتزداد الخسائر خصوصا الاقتصادية منها. والتفاهم وبناء حل سلمي يتطلب موقفا كرديا واعيا بالواقع المر مهما كانت مطالبهم شرعية. لا ايران يمكنها قبول دولة كردية ولا حتى الغرب يستطيع تمرير مثل هذا المشروع لانه يعني ان خريطة جديدة لكل الدول ستقوم مع حروب دموية أوسع واخطر.
لا شك ان خروج اردوغان قويا من الانتخابات يريح الجبهة المعارضة للاسد ويحرج جبهة الممانعة. الامتحان الاول للمواقف وخصوصا لـ «السلطان» في مؤتمر فيينا القادم. السير في حقول الألغام يتطلب الكثير من الشجاعة والعقل والإرادات. لننتظرْ ونَرى.