لا أحد يعرف بالتحديد موعد تشكيل الحكومة الجديدة، في النقاشات العقيمة حول حصص الكتل النيابية الطائفية، وتثير دهشة المراقبين تلك الأفكار الصغيرة التي تزين فكرة واحدة مكرورة وتبعث على الملل.
لبنان يعيش بحكومة شرعية كما بوزراء يسيّرون الأعمال الى ما شاء الله. أما المواطنون فيملأون أجواء الصيف بالموسيقى والغناء في مهرجانات راسخة وأخرى طارئة تتوزع على البلدات والقرى من شمال لبنان الى جنوبه. وقت مخصص للقبض على هوية ثقافية يكاد السياسيون يضيعونها أو يبيعونها في أسواق الإقليم والعالم، أو هو مخصص لجذب سياح عرب وأجانب لن يأتوا، ولجذب مغتربين يزورون من تبقى من الأهل ويسمعون ما تبقى من الأغاني.
انسداد في السياسة، يبدو طبيعياً عندما تكون جارة لبنان سورية رهينة الاستعجال الروسي والاستبطاء الأميركي، موسكو ترى أن النصر انعقد لبشار الأسد وسلطته، وآن أوان عودة النازحين الى الوطن وحضن الدولة، وواشنطن تنطلق من إدراكها حساسية الجغرافيا السورية لتؤجل عودة النازحين، في انتظار حل سياسي يشارك فيه الأسد ومعارضوه تمهيداً لدستور جديد وانتخابات وسلطة يرضى عنها الجميع أو الغالبية الساحقة على الأقل.
وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل روسي أكثر من الروس في ما يتعلق بعودة النازحين من لبنان الى وطنهم سورية، يرى أن الأمر طبيعي ولا يتطلب انتظار حل سياسي، فيما ترى أطراف سياسية لبنانية وازنة أن عودة النازحين تنتظر نظاماً سياسياً جديداً في دمشق. هذه الأطراف لا تطيق حتى في الخيال تكرار علاقة سورية – لبنانية يقودها بشار الأسد كما كان يفعل قبل الثورة السورية، وربما بطريقة أكثر شراسة. هنا يبدو الأمر مشكلة وجود أكثر مما هو خيار سياسي تفرضه المصلحة. لا أحد يعرف موعد تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة. لكن، ماذا إذا تشكلت؟ لا جديد، فهي حكومة اتحاد وطني تتوزع وزاراتها وفق أحجام الكتل في البرلمان. إنها حقاً برلمان مصغر. وكل قرار تتخذه يحتاج الى وفاق يتطلب أحياناً تدخل قوى أقليمية ودولية. الخطوة الأولى البيان الوزاري للحكومة الجديدة أمام البرلمان. وكل قرار لاحق يعادل في الأهمية ذلك البيان، خصوصاً إذا تصدى لقضايا حساسة مثل العلاقة مع سورية وتحجيم التأثير الطاغي لـ “حزب الله” في خيارات لبنان الإقليمية.
تسدل المهرجانات اللبنانية ستائرها ويتهيأ المغتربون للعودة الى أوطانهم البديلة، ويستفيق الجمع اللبناني المصطاف على حقيقة الأزمة الحكومية التي تكاد تتحول الى أزمة حكم. الرئيس ميشال عون نقلت مصادره أنه يعتبر الأول من أيلول (سبتمبر) موعداً لتشكيل الحكومة. رغبة الرئيس تستحق الاحترام لكنها لا تفرض التنفيذ بالضرورة. ويعرف قادة الكتل النيابية الطائفية أكثر من غيرهم أن موسكو ودمشق لا تملكان حلاً للأزمة السورية من دون موافقة واشنطن. هذا ما يجب أن يعرفه المتحمسون لفتح الأبواب مع نظام الرئيس بشار الأسد بلا شروط ولا انتظار لاستكمال الإرادة الدولية في شأن ذلك النظام. على هؤلاء أن ينظروا الى أزمة الخيارات لدى حكام العراق اليوم، الذين يرضخون لإرادة واشنطن في الحد من العلاقة مع النظام السوري، على رغم صداقة الطرفين لطهران. كما أن حكام بغداد واقعون أيضاً في معضلة مقاطعتهم طهران ولا يجدون لها حلاً، خصوصاً أنهم لا يرفضون أي طلب صغير لواشنطن، فكيف إذا كان كبيراً مثل مقاطعة إيران التي تتطلب احتشاداً شبه عالمي.
أما معبر “نصيب” عند الحدود السورية – الأردنية الذي يؤدي فتحه الى فوائد اقتصادية للبلدين والى فوائد أعظم منها للبنان، فلن يفتح، لأن واشنطن ترهن كل انفراج في الجغرافيا السورية بالوصول الى حل سياسي يفضي الى سورية جديدة.
ينقضي الصيف ولبنان على المفترق، وأصدقاؤه في المنطقة والعالم يصمّون آذانهم عن نقاشات سياسييه العقيمة، لكنهم يفتحون عيونهم باهتمام لرؤية التراجع الاقتصادي وللحد منه خوفاً من تحوّله انهياراً.