ارق الجوهري بين القمّة العربية الـ٢٦ وكلّ القمم التي سبقتها هو نظرة الرأي العربي التي انتقلت من حالة عدم الاكتراث إلى كل ما يدور في هذه القمم وما يصدر عنها من نتائج، إلى متابعة أعمال القمّة الحالية بشغف واهتمام والتعويل على مقرراتها.
رؤية الناس هي الأساس. واهتمامها أو عدمه هو المعيار. وانتظاراتها هي المفصل. وعدم تفاعلها هو تعبير عن موقف ورسالة. فأهمية هذه القمة أنها ردمت الهوة بين الشعوب العربية وقياداتها، الشعوب التي لم تعد ترى في البيانات الصادرة عن القمة تكراراً مملّاً لمواقف خشبية تفتقد إلى أيّ مضمون ولا تجد ترجماتها على أرض الواقع.
وأهمية هذه القمة انها رمّمت الثقة بين الشعوب العربية وقياداتها، فأصبحت تعوِّل على مَن هو مؤتمن على وجودها ومصيرها ومستقبلها. وأهميتها انها أعادت الأمل بوجود مشروع عربي مشترك على أساس وحدة صف وموقف ورؤية متكاملة.
وإذا كان لا بد من كلمة شكر للطرف الذي حوَّل الحلم العربي إلى حقيقة، فيجب صدقاً شُكر إيران والتنويه بسلوكها ودورها وممارساتها التي حوّلت ما كان مستحيلاً بالأمس إلى واقع اليوم. فلم يكن أيّ عربي يتوقّع أنه سيحيا إلى زمن يُعاد فيه الاعتبار إلى الوحدة العربية، والكرامة والشهامة العربيتين. فالإحباط كان سيّد الموقف. والنظرة إلى المستقبل كانت سوداء وقاتمة.
والأمل بالتغيير الذي انطلق مع الربيع اللبناني والعربي نجحت الانتفاضات المضادة في وَقفه وفرملته وتشويه صورته، علماً انه لا يمكن استبعاد عامل هذا الربيع عن الوحدة المستجدة، لأنّ أيّ تطوّر في نهاية المطاف هو نتيجة تراكم أحداث عدة وتداخلها.
فالشكر كل الشكر إذاً هو لطهران التي وحّدت العرب والسنّة بعدما شعروا بالوقائع أنّ وجودهم أصبح مهدداً، وأنّ مصيرهم بات مجهولاً، وأنّ خلاصهم يكون فقط بوحدتهم، فحصلَ ما كان خارج أيّ حساب أو تقدير وحتى رهان، وهو بداية لصفحة جديدة والتي على رغم ما تحمله من تحديات وملفات وقضايا، تبقى تفصيلية أمام هذا المشهد الوحدوي، لأنه عندما تتصدى الشعوب والدول لمشاكلها وهي متحدة، تنجح في تحقيق أهدافها وتطلعاتها.
فالقمّة الـ٢٦هي الأولى من نوعها بوَعينا وذاكرتنا التي تابعت الشعوب العربية مجرياتها بشغف، وواكبت أعمالها بحماس، ونظرت بعَين الأمل إلى نتائجها. فما رأته الناس مع «عاصفة الحزم» كان كفيلاً بطَيّ صفحة تاريخية من غياب الثقة، وذلك كله في غضون أيام، ما يعني أنّ قراراً واحداً وصورة واحدة وعملاً واحداً هو كاف لفتح صفحة جديدة ملؤها الأمل بمستقبل أفضل.
ويخطئ من يعتبر أنّ التطور الوحدوي هو مؤقت وعابر، وأنّ الصورة الانقسامية لن تتأخر في تصدّر الواجهة مجدداً، لأنّ هذا التطور جاء نتيجة تحديات وجودية ومخاطر فعلية وحاجة جدية لمواجهة الأخطار القديمة المتمثّلة بالرفض الإسرائيلي للسلام، والأخطار الجديدة المتصلة بالمشروع الإيراني التوسعي والمشروع الداعشي. وبالتالي، أيّ تراجع أو تلكؤ يعني ارتفاع منسوب الأخطار.
فلا خيار سوى بوحدة الموقف العربي والإسلامي، وقد جاءت مقررات القمة لتشرِّع التدخل في اليمن وصولاً إلى تسوية سياسية برعاية خليجية، والأهم الموافقة على إنشاء قوة عربية مشتركة «لمواجهة التحديات وصيانة الأمن القومي العربي».
وإذا كانت القوة العربية تحوّلت إلى أمر واقع قبل القمة بفعل التحدي اليمني، فإنه سيتم اعتباراً من اليوم مأسستها وتنظيمها وجعلها جاهزة للتدخّل عندما تستدعي الحاجة. ولعلّ مجرد وجود هذه القوة يشكل خطوة معنوية متقدمة لمصلحة العرب، بمعزل عن تدخلها أو عدمه، على غرار القنبلة النووية التي تعطي أصحابها تفوقاً معنوياً.
وأمّا الحديث عن الأمن القومي العربي فهو مستجد ورسالة إلى طهران بالطليعة بأنّ ما كان مسموحاً قبل هذه القمة لن يكون كذلك بعدها، والاندفاعة التي نجحت الدول العربية والسنية في تحقيقها، لن تكون في وارد التفريط بها من خلال خطوات متسرّعة، بل على العكس ستراكم على الانتصار العسكري اليمني المزيد من الانتصارات الديبلوماسية بهدوء وروية.
وكشف ديبلوماسي خليجي مُطّلع بدقة على كل هذا الحراك وخفاياه أنّ اليمن هو بداية العمل العربي المشترك، وانه تمّ إنشاء خلية أزمة عربية-سنية مهمتها متابعة كل القضايا الساخنة، والتنسيق بشكل وثيق في كل الخطوات والمواقف، وتبادل المعلومات في كل شاردة وواردة، وعدم التفرّد في أيّ خطوة من أيّ قضية، وتوحيد الجهود والاتصالات، وتوزيع الأدوار بشكل متكامل، وعدم السماح باللعب على التناقضات.
وقال الديبلوماسي إنه لم يعد بالإمكان، من الآن وصاعداً، التعامل مع الدول العربية والسنية بالمفرّق، فهناك معطى جديد يستحيل تجاوزه وهو مزدوج: وحدة موقف سياسي، وقوة عسكرية مشتركة، وهذا المعطى كاف لوحده في تحقيق التوازن المنشود، فكيف بالحري إذا تمّ تفعيله وتنشيطه وفق الهندسة المرسومة.
وخلص الديبلوماسي إلى القول: النشوة ممنوعة، وتكبير الحجر مرفوض، فيما المطلوب هو الوضوح في الرؤيا لمواجهة التحديات الكبرى الماثلة بخطوات ثابتة من أجل نَقل العالم العربي إلى شاطئ الأمان.