قمة أنقرة الثلاثية تحدد مسار سوريا في غياب السوريين. وليس أمرا قليل الدلالات ان يسارع الرئيس حسن روحاني الى القول: اليوم نعلن رسميا نهاية الحرب في سوريا. ولا من المفاجآت ان يتم التركيز في البيان المشترك على نقاط التفاهم بين أبرز المتدخلين عسكريا في الحرب: التأكيد على وحدة سوريا أرضا وشعبا، تسريع الجهود لضمان الهدوء على الأرض، حماية المدنيين في مناطق خفض التصعيد، تهيئة الظروف لعودة النازحين، واعطاء الأولوية لانتاج دستور جديد في اطار تسوية سياسية.
لكن المواقف في العمق ليست موحدة حيال كل عناصر الأزمة والحلّ. فلا تحالف الدول الثلاث الضامنة خفض التصعيد يختلف كثيرا عن تحالفات الخصوم في اللوائح الانتخابية الغريبة العجيبة في لبنان. ولا كل ما في التباين بينها مكتوم. والسؤال البسيط هو: ما الذي يجمع بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس حسن روحاني؟ والجواب الأبسط هو اللعب بسوريا وعلى المسرح السوري الى جانب لاعبين آخرين، ولكن لكل من بوتين وأردوغان وروحاني والآخرين لعبته الخاصة المرتبطة بأهدافه في سوريا وفي المنطقة والعالم من خلال سوريا.
ذلك ان الرئيس بشار الأسد يصف أردوغان بأنه متسوّل سياسي على قارعة الطريق يبحث عن دور. وبوتين الحليف الأكبر للأسد يعمل على تمتين التحالف مع أردوغان ويعطيه الضوء الأخضر لغزو عفرين مقابل اخراج المسلحين من الغوطة. وروحاني يطالب بسحب القوات التركية من عفرين وتسليمها الى الجيش السوري، ويلتقي مع بوتين وأردوغان في الدعوة الى سحب القوات الأميركية من منبج وشرق الفرات والتنف.
وأردوغان يهدّد بالزحف الى منبج والجزيرة وصولا الى سنجار في العراق، لضرب قوات سوريا الديمقراطية التي أغلبيتها كردية وحجّته انها ارهابية وتخدم مثل داعش الهدف نفسه، مع ان الكرد لعبوا بمساعدة أميركا أقوى دور في قتال داعش وطرده من عاصمته الرقة وثلث مساحة سوريا. والروس يتعاطفون مع الكرد في اطار الحكم الذاتي، وحتى الفيديرالية، لا الاستقلال بالطبع، كشعب من الشعوب السورية حسب تعبير بوتين. وليس من أسرار الآلهة تباين الحسابات الجيوسياسية بين موسكو وطهران، وان تقاطعت حاليا مصالحهما وتكاملت أدوارهما في حرب سوريا، كما في ما سماه بوتين التعاون في تسوية الأزمة السورية.
وحتى الآن، فان بوتين نجح في ادارة المزيج من التفاهمات والتناقضات. وهو كان ولا يزال يحرص على التنسيق مع اللاعب الأميركي ويأسف لانحدار العلاقة معه، ويدرك الحاجة الى دوره في التسوية السياسية كما في اعادة الاعمار. لكن البراعة لها حدود في لعبة بالغة التعقيد.