لا شك في أنّ قرار رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري تعليق عمله السياسي وعدم خوضه وتياره الانتخابات قلب المعادلات وخلط الأوراق انتخابياً، وسيترك غياب كتلة «المستقبل» عن مجلس النواب أثره في العملين البرلماني والسياسي. كذلك لا شك في أنّ قرار الحريري سينعكس على الزخم الانتخابي في الساحة السنّية، خصوصاً مع عزوف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيسي الحكومة السابقين تمام سلام وفؤاد السنيورة أيضاً عن الترشح. ويرجح البعض أن تكون نسبة إقتراع السُنّة ضعيفة. في المقابل تعتبر جهات سياسية أنّ هذا التغيير سنّياً قد يشكّل فرصة ويكون مدخلاً للتغيير وطنياً خصوصاً «سيادياً».
تؤكّد جهات بارزة في السلطة أنّ هناك انتخابات نيابية مئة في المئة، معتبرةً أنّ خروج نادي رؤساء الحكومات من السباق الانتخابي، لن يؤثر على هذه الانتخابات ولا على ميثاقيتها، إذ «هناك من يترشح ويفوز، الطامحون كثر، وسيصل الصف الثاني السنّي الى الندوة البرلمانية، ولن يكون هناك أي فراغ، خصوصاً أنّ كثيرين من «جو» تيار «المستقبل» قدّموا طلبات ترشيحاتهم، وقد لا يكون هناك زخم انتخابي كما لو كان الحريري موجوداً ويخوض هذه المعركة، لكن سيكون هناك انتخابات».
سنّياً، يدعو مفتي الجمهورية وجميع مرجعيات الطائفة الدينية والسياسية الى المشاركة الكثيفة في الانتخابات وعدم مقاطعتها. وفي التوازي، تخوض شخصيات سنّية عدة، ومنها قريبة من «المستقبل»، الانتخابات. وانطلاقاً من ذلك، ترى جهات سياسية، أن لا قرار لاعتكاف سنّي أو ترك الساحة للفراغ أو لمشروع «حزب الله».
وكان السنيورة واضحاً خلال المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه أمس الأول، عزوفه عن الترشح، بحيث أكّد أنّه يعمل على تشكيل لوائح ودعمها في كلّ لبنان. وتقول شخصيات سنّية مرشحة للانتخابات وعلى تواصل وتنسيق مع السنيورة، إنّ «لا شيء محسوماً بعد بالنسبة الى اللوائح، والآن هذه مرحلة جوجلة ودرس وتواصل، ويجري العمل بالطريقة نفسها مع السنيورة، وهناك محاولة تأليف لوائح في كلّ المناطق».
وفي حين يعتبر البعض أنّ عزوف رؤساء الحكومة السابقين عن الترشح يدلّ الى أنّ هناك قراراً خليجياً، أو سعودياً أقلّه، بعدم دعم أي من هؤلاء، وحتى أبعد من ذلك عدم تغطية أي تحرُّك سياسي في لبنان في ظلّ الواقع القائم مع «سيطرة «حزب الله». إلّا أنّ مصادر سنّية تسأل: «إذا سحب السعوديون يدهم من البلد لماذا ستردّ عليهم المرجعيات السنّية عندئذٍ؟». وتقول: «إذا الصف الأول التقليدي غير مرشح، ماذا عن كثُر من المرشحين، ومنهم النائب فؤاد مخزومي والنائب السابق لرئيس تيار «المستقبل» مصطفى علوش؟». وتضيف: «إذا تجدّدت النخب تصبح هي الصف الأول بدلاً من أن تكون الصف الثاني. وفي غضون أسبوعين، ومن طريقة تركيب اللوائح سيتبيّن إذا كان ذلك صحيحاً».
وعلى الرغم من أنّ هناك خشية من وصول نواب سنّة إضافيين مؤيّدين لـ«حزب الله» الى مجلس النواب عوضاً عن «السياديين»، أو أقلّه عدم وصول كتلة سنّية سيادية متراصة، مع ما يرتّبه ذلك من تداعيات على القرار في البلد من أبسط الشؤون الى تشكيل حكومات وانتخاب رئيس للجمهورية، ترى هذه المصادر السنّية أنّ «عزوف رؤساء الحكومات عن الترشح قد يكون فرصة إيجابية، إذ مجرد أنّ البعض اتخذ القرار بالمواجهة والاستمرار والترشح بدلاً من الاستسلام، فهذا يعني بأقل تقدير الحدّ من الخسائر، فبدلاً من خسارة كلّ المقاعد نخسر بعضها وتبقى بصماتنا الموجودة». كذلك ترى أنّه بعد الانتخابات يحصل تأليف الكتل بناءً على المعطيات ونتائج الانتخابات، وبالتالي قد يتكتل السياديون الذين سيفوزون لأي جهة أو طائفة انتموا، وقد تلاقي القوى السيادية بعضها بعض وتلتقي في مكانٍ واحد».
بدورها، ترى جهات سياسية مسيحية معارضة، أنّ عزوف رؤساء الحكومات عن الترشح أمر عادي، ولا يجب إعطاؤه أكثر من حجمه. وتوضح أنّ سلام أعلن عزوفه عن الترشح قبل أن يعلن الحريري موقفه، كذلك إنّ ميقاتي رئيس حكومة وأولويته أن يدير الانتخابات من هذا الموقع بحيث يديرها ولا يشارك فيها، ما يضفي نزاهة وشفافية على مستوى إدارتها. أمّا السنيورة فليس نائباً الآن أساساً، وقد أعلن أنّه سيشكّل لوائح ودعا الى المشاركة في الانتخابات وعدم المقاطعة، وهو قرّر بدلاً من أن يركّز على ترشيحه الشخصي أن يدير هذه المعركة ويشرف عليها في كلّ محطاتها. وبالتالي، بحسب هذه المصادر، لكلّ من هؤلاء الرؤساء اعتباراته وظروفه التي تجعله لا يخوض الانتخابات على المستوى الشخصي، ولا قرار سنّياً بعدم المشاركة في الانتخابات، وجميع القيادات السنّية، من المفتي الى رئيس الحكومة، تدعو في وضوح الى المشاركة وعدم المقاطعة.
هذه الدعوات الصادرة عن المرجعيات السنّية تؤكّد، بحسب المصادر نفسها، أنّ هناك قراراً واضحاً بمنع أي فراغ يتسلّل منه مرشحون طارئون أو مشروع الخصم «حزب الله»، ولقطع الطريق على مشروع من هذا القبيل. وبالتالي، عندما يكون هناك قرار من هذا النوع وعلى هذا المستوى، لا تُقاس الأمور بخلاف ذلك، بمعزل عن أي نتائج». وتشير الى أنّ هناك فرصة جدّية وحاسمة أمام جميع اللبنانيين، ومنهم السنّة، للتصويت بكثافة، وإيصال شخصيات سيادية، إذ «ربّما يتمكن الصف الثاني من القيام بما لم يستطِع الصف الأول تحقيقه».