IMLebanon

الطائفة السُنيّة وانسحاب سعد الحريري

 

 

في أسوأ أيّامها لم تنسحب الطّائفة السُنيّة من الحياة السياسيّة أبداً حتى في عزّ إحباطها زمن الحرب الأهليّة حتى عندما نفى الاحتلال السّوري أبرز قياداتها وحطّم بعضها واغتال نخبتها وصولاً إلى اغتيال مفتيها لم تنسحب من الحياة السياسيّة ولا نرى أنّ محاولة التّهويل عليها بالفراغ ودعاية تطرّف لم يكن يوماً لبوسها حتى في عزّ سنوات الحرب، هذه الطّائفة تمسّكت بلبنان المسلم ـ المسيحي وكان شعارها دائماً لبنان بجناحيْه المسيحي والمسلم فعن أي تطرّف يتحدّثون؟!

 

في الجانب الواقعي لانسحاب الرّئيس سعد الحريري من الحياة السياسيّة لا بُدّ من إلقاء نظرة عامّة ومحيطة بتجربته، ويا ليته اختار أن يبقى مُسمّياً لرؤساء الحكومة وللوزراء عوضاً عن حصر زعامته برئاسة الحكومة، ألم تكن هذه هي الخلاصة التي توصّل إليها والده الرئيس الحريري الأب بعد تجربة مريرة أيضاً في ترؤسه للحكومات..؟ لم يوافق الزمن السياسي المتغيّر تجربة الرئيس الحريري فلا السياسة السعوديّة هي نفسها ولا السياسة الأميركيّة هي نفسها، تغيّر الرّعاة الدوليّون للرّئيس الحريري بتغيّر السياسات واشتداد الصّراع في المنطقة، والمفزع في هذه اللحظة اللبنانيّة التي تحتاج لوحدة القوى السياديّة في وجه إيران، كما تحدّث بالأمس الرئيس فؤاد السنيورة لقناة “الحدث”، نجد من يسعى لدقّ اسفين بين الطّائفة السُنيّة والدكتور سمير جعجع بدعوى شكايته للرئيس الحريري عند السعوديّة، وهذه عقليّة ولاديّة في السياسة و”تعلمية” جاءت الأوامر بتكرارها علّ وعسى يعلق شيء من الكذب، وهنا علينا أن نسأل أين الحقيقة؟

 

لم تعد السعودية بعدما دخلت مرحلة المواجهة في اليمن مع الحوثيّين يُناسبها اختيار مهادنة حزب الله في السياسة، وللأسف لم تعد تجد في الرئيس سعد الحريري مرشّحاً يُناسبها لرئاسة الحكومة، هذه هي الحقيقة كما هي بل “على بلاطة” كما يقولون، المرحلة بالنسبة للسعوديّة هي مرحلة تصعيد ومواجهة، وهذه السياسة تقتضي أن لا يكون الرئيس سعد الحريري في الحكومة، وهو خاض تسويته الأخيرة التي حاكها مدير مكتبه السابق نادر الحريري مع الوزير جبران باسيل وخرجت تحت شعار تسوية ست سنوات رئاسة ست سنوات في رئاسة الحكومة، ولكن تجري الرّياح فجاء 4 تشرين الثاني 2017 ليقلب كلّ الحسابات، استدعي الحريري إلى السعودية وأعلن استقالة فاجأت الجميع بما فيهم دول العالم، ولم تستطع حاشية الحريري اتهام من أبقاه قسراً في الرّياض فأشاعوا تلك التهمة باطلة بحقّ الدكتور سمير جعجع، وها قد عادوا إليها بالرّغم من أنّ الرئيس الحريري أعلن بنفسه أسباب انسحابه من الحياة السياسيّة!

 

هنا من المفيد التّذكير بأنّ كلّ الظّروف حتى لبنانيّاً عاكست تجربة الرّئيس سعد الحريري، فكانت مريرة في بدايتها ظلّ محاصراً أمنيّاً في قصره سواء في قريطم أو في بيت الوسط، ثمّ وبعد فشل حكومته الأولى اضطرّ للانسحاب من لبنان لأسباب أمنية وبعد نصائح دوليّة وعربيّة طلبت منه المغادرة إذ كان فيها خطر الاغتيال على حياته مرتفعاً جدّاً فغادر لمدة خمس سنوات وربّما هذه السّنوات الخمس كانت بداية وهن تيّاره وجمهوره حتّى وجد نفسه مضطرّاً للعودة.. يدفع الرئيس الحريري أثمان المنطقة وثمن كونه أيضاً “مواطناً سعوديّاً” فلا الرؤساء الأميركيون باراك أوباما ولا دونالد ترامب ولا جو بايدن يريدون المواجهة مع إيران، فيما تريد السعودية التصعيد مع إيران ومواجهة ذراعها القوي في لبنان الذي يشارك الحوثيين حربهم على السعوديّة ، وللأسف لم يُحسن مستشارو الرئيس الحريري قراءة هذه المعادلة الصعبة، بالتّأكيد لا يستطيع أحد أن يدّعي أن السعوديّة تطلب من اللبنانيّين أن يخوضوا حرباً مع حزب الله، في الأساس اللبنانيّون يخوضون مواجهة سلميّة مع حزب الله ويشدّدون في كلّ مرّة أنّها سلميّة، ولكن أيضاً لم تتفهّم المملكة أنّ من يصبح في موقع رئيس الحكومة يصبح فوراً رئيس حكومة كلّ لبنان ولا يحقّ له خوض معارك سياسيّة ضدّ فريق من “اللبنانيّين” حتى لو كان حزب الله!