Site icon IMLebanon

«البيت السُنيّ» وخيارات الرد ستتجاوز الحريري إذا اختار المهادنة!

 

الإنقلاب الذي دُبِّر في ليل على حسابات خاطئة… واستقواء «الثنائية الشيعية» و«الثنائية المسيحية» بات يُهدِّد الصيغة اللبنانية

«القوّات» وقعت في خطيئة وطنية واستراتيجية حين أدارت ظهرها لقرار دار الفتوى

 

كل الذين تحدَّثوا عن «الميثاقية» أطاحوا بها. فكان انقلاب دُبِّر في ليل. أَسقط «محور إيران» اسم حسان دياب، ويُقال ان أساتذة الجامعة الأميركية السنّة الذين يدورون في فلك «حزب الله»، والذين قدّموا أنفسهم على أنهم جزء من الحراك هم من اقترحوا تسميته من ضمن لائحة قدموها لـ«الحزب» ضمن نقاش معه جرى مؤخراً أخذوا فيه عليه أنه يغطي منظومة الفساد. وربما هذا ما يُفسّر التودد في كلمة دياب بعد التكليف للثورة وأبنائها، وسعيه إلى خطب ودهم، رغم أنه سيكون جسر العبور لإنهائها.

 

وما فات هؤلاء الأساتذة المشاركون في «الثورة» أن طينة الرجل الذي تحتاجه المرحلة مختلفة لسيرة دياب الذي، على عكس ما قدَّم نفسه، ليس مستقلاً ما دام ارتضى يوماً أن يكون وزيراً في حكومة يصفها جزء كبير من اللبنانيين أنها حكومة «القمصان السود»، يوم انقلب «محور إيران» على حكومة سعد الحريري 2011، رغم تعهدات «اتفاق الدوحة»، وجيء بالرئيس نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة بالتكاتف والتضامن مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بحجج تبدل موازين القوى في تلك اللحظة.

 

والأنكى أن دياب تحدَّث في كلمة التكليف عن «الوحدة الوطنية»، متجاهلاً حقيقة أنه حصان طروادة في ضربها. فهو يُدرك أنه يفتقد إلى غطاء البيئة السنية، سياسياً ودينياً وشعبياً. ولن يمر وقت طويل قبل أن يكتشف أن من لا يدخل من الأبواب العريضة، ويتسلل في جنح الظلام لتسلق المواقع سيُصاب بكل عوارض العزلة، وسيكون سقوطه المعنوي والأخلاقي والمجتمعي مدوياً.

 

على أن السؤال المحوري الآن لم يعد يتعلق بدياب مهما كانت الصفات التي ستلازمه، بل يتعلق بما ينتظر لبنان في قابل الأيام والأشهر، بعد الانقلاب المدوي لرئيس الجمهورية على التسوية ومفاعيلها، وتخلي «حزب الله» عن ورقة «التوت» التي كانت تغطي عورته برفعه شعار «الحكومات التوافقية»، واختيار تحالف «الثنائي الشيعي» والتيار «الوطني الحر» الدخول في مواجهة مع الطائفة السنية التي أعلنت دار الفتوى موقفها حيال الاستحقاق الحكومي.

 

فقرار الذهاب إلى حكومة اللون الواحد، ليس لعباً على حافة الهاوية، بل سقوط في الهاوية، وفتحٌ للباب أمام المجهول على كل المستويات. ولن تنفع محاولات التذاكي التي ستلجأ إليها قوى 8 آذار بتسويق مقولة إن الرئيس المكلف هو نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، أو باختيار وجوه من اختصاصيين أو تكنوقراط على قاعدة إدارة المركب من الخلف، للتخفيف من اعتبار أن الحكومة العتيدة هي حكومة الأمر الواقع وحكومة «حزب الله» وحكومة مواجهة بقناع لطيف.

 

فهكذا حكومة غير قادرة على تقديم الثقة التي يحتاجها لبنان داخلياً وخارجياً للخروج من الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي الذي يعيشه، ما سيفاقم من حال الحصار المفروض عليه عربياً ودولياً. فحتى لو أعلن المجتمع الدولي موقفاً شكلياً مُرحباً من تشكيل الحكومة – إذا حصل، فإن هذه الحكومة من الصعب أن تنجح في القيام بالإصلاحات التي يُطالب بها المجتمع الدولي كشرط للمساعدة المالية والاقتصادية، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من تلك الإصلاحات من شأنه أن يقفل مزاريب الفساد المشرعن ضمن المحاصصة السياسية التي ستقف خلف الحكومة، كما أن تلك الإصلاحات تتطلب سياسات تقشفية ستزيد من معاناة النّاس وسط ركود اقتصادي سيفضي الى ارتفاع منسوب الحالات الاعتراضية في الشارع.

 

الخطورة تكمن في أن يكون «حزب الله» ومعه «حركة أمل» ورئيس الجمهورية وتياره انطلقوا من حسابات خاطئة دفعتهم إلى تلك المغامرة. في المعلومات المسربة أن «حزب الله» فهم من الحريري بأنه لن يلجأ إلى تعبئة الشارع السني ضد خيار حكومة اللون الواحد. فهذه قد تكون رغبته فعلاً، في ما يمكن وصفه بـ«التواطؤ السلبي»، انطلاقاً من اقتناع لديه بضرورة عدم قطع شعرة معاوية مع الفريق الآخر، لا سيما وأن مسار الأمور في النهاية لا بد من أن يستقيم، وحينها ستكون الوجهة هي «بيت الوسط»، فضلاً عن أن احتمالات إخفاق دياب في التأليف واردة، وإن شكّل الحكومة، فإنها ستواجه تحديات جمَّة لن تقوى على معالجتها، وستؤول بها إلى السقوط تحت وطأة الانهيار الكبير.

 

لكن ثمة أمراً أخر يجري في «البيت السني» بمعزل عن موقف الحريري ورغباته وقراره بالمواجهة من عدمها. فاستناداً لما توفر من معطيات، فإن حراكاً سياسياً على الساحة السنية، ستظهر معالمه خلال الأيام المقبلة وستحتضنه دار الفتوى للتباحث في كيفية التعامل مع التطورات الناشئة عن التكليف، وبلورة «خارطة طريق» في هذا المجال، ذلك أن من شأن السكوت عن حالة الاستهداف الذي تتعرض له الطائفة بوصفها مكوناً اساسياً في التركيبة اللبنانية سيؤول إلى مزيد من الإحباط ومشاعر الغبن والتهميش والشعور باستقواء الآخرين عليها، ليس فقط من قبل «الثنائي الشيعي» بل أيضاً من قبل المسيحيين، والذي فاقم موقف حزب «القوات اللبنانية» من مضاعفته بقرارها بعدم تسمية الحريري رغم أن المرجعية الدينية قد حسمت تبنيها له.

 

وبمعزل عن تبريرات «القوات»، فإنها ارتكبت خطيئة وطنية واستراتيجية حين أدارت ظهرها للميثاقية مع الشريك السني، وأحكمت الطوق عليه. وهي خسرت في الوسط السني الكثير من الرصيد الذي بنته منذ خروج  سمير جعجع من السجن وتكوّن حالة الرابع عشر من آذار. وما حصده قائد «القوات» من موقع في الوجدان السني لم يحظ به عون وباسيل رغم التسوية التي صاغها الحريري معهما وبقي التيار يعيش في عزلة عن الجمهور السني على خلاف ما كانت عليه القوات.

 

النقاش الدائر في الأوساط السنية أنه حين احتضنت بكركي الأقطاب الأربعة عون وجعجع وأمين الجميل وسليمان فرنجية، كمرشحين وحيدين لرئاسة الجمهورية، حددت للشركاء السياسيين من الطوائف الأخرى خياراتها، واعتبرت أن الاختيار خارج نادي الأربعة لا يتمتع بغطاء الكنيسة أو مرجعية الموارنة الدينية، لكن القوى المسيحية الأساسية قفزت فوق قرار المرجعية السنية، المبني على قاعدة «الميثاقية» التي استخدمها الفريق المسيحي في معركة ما سماه «الشراكة».

 

فبين استقواء الثنائي الشيعي واستقواء «الثنائي المسيحي» والحسابات الخاطئة لكلاهما في وجه الشريك السني، ما عادت الأمور تستوي على هذه الشاكلة. وإذا لم يتم التعامل مع هذا الاستقواء بحسم وجزم بما يعيد الاعتبار للسنة، فإنه سيدفع إلى فصل جديد من الاحتقان المفتوح على موبقات العصبيات الطائفية والمذهبية وما سينتج عنها من تفسخ في المجتمع سيطيح بحلم العبور فوق الطوائف الذي ظن اللبنانيون للحظة أنهم حققوه في ثورة 17 تشرين الأول. لكن الأخطر أن هذا الاستقواء لا يمكنه إلا أن ينعكس عاجلاً أم آجلاً على الصيغة اللبنانية التي تعيش أسوأ أيامها.