حكومة دياب لها وعليها… وفرصتها الضيّقة أمام امتحان صعب
المزاج السني مُحبط والثقة الوطنية ضرورية والأزمات شائكة
أولُ قصيدةِ حكومة حسّان دياب، بعد جدار الفصل طبعاً، حضور جلسة نيابية عامة، اليوم وغداً، لمناقشة موازنة كانت أعدّتها الحكومة الساقطةُ بفعلِ ضغطِ الشارع. وثاني أبياتها وقوف دياب شخصياً للرد على النواب دفاعاً عن موازنة لم تضعها حكومته بل اكتفى وزير ماليته بإعلان تبنيها! هذه الهرطقة كاملة تحصل قبل نيلها ثقة المجلس النيابي.. أما ثقة الشعب في الساحات والشوارع وعواصم الاغتراب فمعروفة سلفاً.
في سجلّ عجائبِ السلطةِ السياسيةِ مجلسٌ نيابيٌ يناقشُ موازنةَ حكومةٍ لم تَعد موجودة، بحضورِ حكومةٍ لم تضعها، بل ولم تنل ثقته حتى! وهذا مخالف لمنطق العمل المؤسساتي، وكأن في الأمر التباساً ما إذا كانت هذه الموازنة تخصّ الجهة السياسية التي يمثّلها وزيرا المالية، السابق واللاحق، في الحكومة وليست موازنة الدولة اللبنانية!
فرصٌ وتحديات
هل راجعت الحكومة أرقام النفقات والإيرادات التي تضمنتها فذلكة الموازنة؟ وهل ترضى أصلاً بموازنة هي عبارة عن رواتب القطاع العام وفوائد الدين العام وعجز الكهرباء؟ ثم من أين ستأتي بالأموال لتغطية النفقات؟ وما مصير البنود الإصلاحية، هل ستكتفي حكومة دياب بإصلاح قائم على تخفيض بعض النفقات العامة، أو لا تدرك بأن الأزمة الراهنة ومطالب الأسرة الدولية والمؤسسات المانحة تتطلب أكثر بكثير؟
تأسيساً على ما سبق، أمام حكومة دياب تحديات كبيرة وصعبة، لكن ذلك لا يمنع من أن ثمة فرصاً ونقاط قوة يمكنها توظيفها في سياق استعادة ثقة الشعب والمجتمعين العربي والدولي، لذلك هي أمام الامتحان الأصعب مقارنة بالواقع المأزوم والأزمة المستفحلة، وقياساً على التوقعات والانجازات المطلوبة منها، باختصار هي أمام فرصة ضيقة للغاية.
الرشاقة وتحييد الاستفزازيين
يُسجّل لحكومة دياب خلوها من النواب، ورشاقتها قياساً على سابقاتها، وتحييدها لوجوه استفزازية كثيرة الكلام والصخب والهلوسات التي لطالما فاح منها كلام شعبوي سطحي مقروناً بأداء فاسد وفاشل، وسواء أكان ذلك نتيجة ضغط الانتفاضة الشعبية أم بوعي من الجهات التي أنتجت الطبخة الحكومية فإنه كسبٌ يصب في مصلحة هذه الحكومة.
وفي سجل فرص الحكومة؛ نوايا رئيسها الحسنة وإرادته بالنجاح، لكن ذلك وحده لا يكفي من دون إرادة العمل والحيادية ومواجهة كيدية وشعبوية البعض، ومواجهة الجوع القديم للنهب لدى آخرين.. النية شيء والانجاز شيء آخر، والأهم قرار دياب بصونِ الموقع والمقام وإستعادة فاعليته الدستورية والوطنية والمؤسساتية.. وهذه أمور لا تمنح من هذا أو ذاك، بل تؤخذ أخذاً بالأداء والصلابة والاستقامة والالتزام بالدستور والاستماع لمطالب الناس الذين هم مصدر الشرعية وسقف المشروعية..
تُجمع الآراء على أن أداء حكومات تحالف 14 و8 آذار، وحكومات الوحدة الوطنية، والتوافق الوطني، والثلث المعطل، والسوبر وزير وحكومات صهر الجمهورية.. كلها فاشلة وجلبت الخراب على البلد لعدم احترامها متطلبات العمل الديموقراطي والنظام الجمهوري البرلماني لناحية الفصل بين السلطات، وبالتالي الحكومة الحالية – أو رئيسها تحديداً – أمام تحدي إعادة إحياء تقاليد الحكم بطريقة دستورية ومؤسساتية بطريقة سليمة، أقله في ما يتصل بصلاحياته الدستورية كرئيس للسلطة التنفيذية ومسؤوليته في صياغة سياسات الحكومة والإشراف على تنفيذها وعدم السماح بالمسّ بها.
وأمام الرئيس دياب كذلك تحدّي إسترجاع المواقع السنية التي «وهبتها» حكومات سابقة في الإدارات العامة والوزارات، كالتربية والداخلية والجمارك وغيرها. الوسطُ السنيُّ محبطٌ حتى النخاع، ويشعر بالتهميش والاستفراد والاستهداف المتمادي بكيدية فجّة. هوَ مُكوّن جرى حشره بين حدّي: مطرقة الأمن والسجن والملاحقات والتهميش، وسندان الاتهام زوراً بالتطرف والارهاب والفساد (حصراً بين ملائكة ممثلي الطوائف الأخرى في الإدارة الذين يرشحون طهارة وعفّة ووطنية!!)، وكل ذلك بهدف ادّعاء انتصارات كاذبة، وشرعنة تغوّل السلاح على الدولة، وتحقيق مكاسب سياسية داست على العيش الواحد، وتسببت بخلل في التوازن الوطني.
ليس على المستوى السني فحسب، وطنياً أيضاً أمام دياب أيضاً مهمة تصحيح اختلالات كبيرة، منها على سبيل المثال ما لحقَ بمئات الشباب والشابات الناجحين في امتحانات الخدمة المدنية – تقديماً وترفيعاً – بسبب جشع وطمع وطائفية وشعبوية جبران باسيل، ولا تزال مراسيمهم معلقة في رئاسة الجمهورية، مقابل آلاف من الفاسدين أو غير المستحقين الذين حشروا حشراً في بعض إدارات الدولة في تنفيعات سياسية وانتخابية فجّة.
ثقة الانتفاضة واستعادة العرب
ما سبق ليس تزكية مسبقة لحكومة شابتها منذ لحظة ولادتها إشكاليات كثيرة، وليس تكبيراً للحجر عليها، ذلك أن هذه الحكومة وإن ضمّت اختصاصيين وذوي خبرات لكن المحاصصة الحزبية، سيئة الصيت، شوهتها. المحاصصة التي بلغت درجة دمج الثقافة مع الزراعة، وهي نقطة سوداء تؤكد للمرة الألف أن الطبقة السياسية لم ولن تتعلم شيئاً ولا تريد تغيير ذهنية الحكم القائمة على معايير الفساد والانتهاب لا إدارة الشأن العام بشفافية ونزاهة واختصاص.
كذلك يؤخذ عليها انحيازها لمحور معين بالكامل، حتى تكاد تكون حكومة القطيعة مع العالم، وعدم تقديمها حتى الآن رؤية انقاذية تتجاوز الكلام العام المبني على حُسن النوايا، والأهم عدم الالتزام بجدول مطالب الانتفاضة الشعبية، وفي مقدمها الانتخابات المبكرة، ومكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة. كل ذلك يفرض أسئلة ضرورية تتأسّس على هول الأزمة القائمة؛ هل تتوقع الحكومة دعماً عربياً ودولياً من دون نأي بالنفس وبرامج إصلاحية ومحاربة الفساد بشكل حقيقي وفاعل، وليس مجرد كلام طنان فارغ كالذي دَأبت عليه الحكومات منذ سنين، وقبل ذلك مواجهة مشاكل اللبنانيين الضاغطة مالياً وحياتياً واقتصادياً وصحياً وخدماتياً؟ وهل يستقيم أنّ تطلب الحكومة مساعدة الدول الشقيقة والصديقة في ظلّ السياسة العدائية التي ينتهجها «حزب الله» تجاه دول الخليج العربي ولا سيما المملكة العربية السعودية، وضدّ الولايات المتحدة الأميركية؟!
حكومة دياب أمام امتحان صعب، يظنّ الثلاثي الذي ركبها أن تخطيه سهل. امتحان امتصاص غضب الشارع عبر خطة انقاذية غير عادية مسبوقة ببيان وزاري، حقيقي لا إنشائي، يؤكد على التزام المصالح الوطنية وتنفيذ مطالب المنتفضين في الساحات، ومحاربة الفساد، والتصدي للأزمة المالية واستعادة ثقة العرب والعالم.. وما دون ذلك ستثبت الحكومة أنها مجرد مجلس للمستشارين والممثلين.. وطالما أن الأصل فشل وسقط، فمن باب أولى أن تسقط صورته.