وكأنّ رباعي نادي رؤساء الحكومات السابقين، كان يتلو صلاة الدعاء، طلباً أن يأتيه التصويب من جانب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، كي “ينطق” ويخرج عن صمته المطبق الذي التزمه منذ مساء الأحد الماضي، بعد المضبطة الاتهامية الخالية من اللياقات الدبلوماسية والتي كالها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من دون أن يستثني أي فريق سياسي، ومنهم بطبيعة الحال الرباعي السني، وفي مقدمهم رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري الذي نال نصيبه من الانتقادات من جانب صديقه الفرنسي.
لم تمض أربع وعشرون ساعة على المطالعة الدفاعية لنصرالله والتي أحال فيها اتهامات العرقلة إلى نادي رؤساء الحكومات، بالجملة، تاركاً للصلح مع سعد الحريري مطرحاً، حتى ردّ الأخير بالمثل، وتجنّب تسطير بيان باسمه الشخصي، وأحال الهجوم إلى رفاقه في نادي رؤساء الحكومات السابقين، لقول ما يعتقدون أنّه “الحقيقة”.
ومع ذلك، فإنّ الاستنتاج الأبرز الذي خرج به كُثر، هو أنّ الرباعي السني تجنّب خوض اشتباك قاس مع “حزب الله” لا بل تقصّد الرد نقطة بنقطة على ما أثاره نصرالله في خطابه، خصوصاً وأنّ بعض المطلعين على موقف رؤساء الحكومات السابقين رأوا في كلام الأمين العام لـ”حزب الله” أنه فتح ثغرتين يمكن البناء عليهما في جدار الأزمة الحكومية: أولاهما ترك الباب مفتوحاً أمام الجولة الثانية من المبادرة الفرنسية في نسختها المنقّحة بعد تكريس قواعد الثنائي الشيعي، وثانيتهما حرصه على عدم صبّ الزيت على النار وتقديم مقاربته على نحو هادئ، والأهم من ذلك مسارعة “الحزب” إلى تنظيم جولة للاعلاميين لتكذيب ادعاءات رئيس الوزراء الاسرائيلي في ما خصّ معامل الصواريخ، في تأكيد على المسار الهادئ الذي يريده “الحزب” لهذه المرحلة.
ولهذا، يقول هؤلاء إنّ الرباعي السني، ردّ بالطريقة ذاتها، من خلال تفنيد النقاط التي أثارها نصرالله من دون تشريع حلبة اشتباك معه، بدليل عدم توسيع رقعة الردّ لتشمل قضايا سياسية خلافية قد تزيد من حدّة الصراع.
على الهامش، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ البيان الصادر عن الرباعي، يؤشر إلى أنّ المطبات التي وقع فيها أركان هذا الفريق خلال مسيرة التأليف، لم تقض عليه. فالبيان الذي سطره الحريري معلناً تجرع السمّ وحده، والذي استتبع بنفض شركائه الثلاثة أيديهم منه، كان من الممكن أن يترك ندوبه على العلاقة بينهم، واذ بمطالعة السيد نصرالله تعيد اللحمة بينهم على قاعدة أنّ المصيبة تجمع.
وفي المضمون، لا يبدو أنّ المبادرة التي أطلقها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي قد أثارت اعتراض بقية رفاقه، أقله بالشكل، بحيث لم يأت بيان الرباعي على ذكرها، لا سلباً ولا ايجاباً، ولو أنّ البعض يرى أنّ التجارب مع الحريري تثبت أنّ الرجل لن يتخلى بسهولة عن فكرة عودته إلى السراي، لكن معضلة أزمته الشخصية – السياسية مع المملكة السعودية من شأنها أن تبقى حاجزاً أمام استعادته اللقب، أقله في المدى المنظور، ما يزيد من قناعة ميقاتي بأنّه أقرب الى السراي من غيره، خصوصاً بعد اخراج الحريري نفسه من السباق.
ولعلّ ما دفع ميقاتي إلى اطلاق مبادرته هو تيقنه من أنّ الثنائي الشيعي سيكرّس معادلة أنّ كل فريق سيعمد إلى تسمية وزرائه، ولو كانوا من قماشة الاختصاصيين غير الحزبيين، ما يعني أنّ تكرار تجربة مصطفى أديب لم تعد ممكنة أو متاحة اذا ما انتقلنا إلى الجولة الثانية من المبادرة الفرنسية، وهي بمواصفات مختلفة، كما طالب نصرالله في خطابه.
ولكن اذا افترضنا أنّ الرباعي السنيّ اكتفى بربط نزاعه مع “حزب الله” من دون الخوض في اشتباك عميق، فإنّ السؤال عن طبيعة المرحلة المقبلة لا يزال غامضاً، لا سيما وأنّ قنوات الاتصالات والتواصل لا تزال مجمّدة. فلا الادارة الفرنسية بادرت إلى البحث عن آلية لتعيد انعاش مبادرتها، ولا القوى اللبنانية تعرف من أين تبدأ محاولاتها المستجدة، ولا على أي قاعدة أو معادلة. ولا أحد يملك جواباً على سؤال جوهري: من سيفتح الأبواب الموصدة؟