سیناریو الإنقلاب یطلّ برأسه من جدید
باشر «حزب الله» إطباق الحصار على الحكومة ورئیسها وعلى النائب السابق ولید جنبلاط منذراً بأن الحرب التي أطلقها أمین عام الحزب حسن نصرالله لن تتوقف، وبدأت أدواتها بالظهور تباعاً، بینما یراوح الرئیس سعد الحریري في دائرة غیاب المبادرة.
وبینما یحضّر «زعران المقاومة» صوراً لشاكر البرجاوي مطبوعاً علیه «دولة الرئیس» یجري الحدیث عن فوضى منتظرة في الشارع ویعود سیناریو الإنقلاب السیاسي والمیداني، في إهانة متعمّدة لأهل السنّة.
في هذه الأجواء یزداد الواقع السیاسي السني غموضاً وإلتباساً مع إمتناع الرئیس الحریري عن إستقبال الرؤساء الثلاثة فؤاد السنیورة ونجیب میقاتي وتمام سلام، رغم مضي ما یقارب العشرة أیام على عودتهم من الزیارة الهامة إلى المملكة العربیة السعودیة، والتي تم إستباقها بإجتماعٍ «تنسیقي» مع الحریري في السراي الحكومي.
وفي حین یزداد الفراغُ السیاسيُّ في الساحة السنیة حضوراً وتزداد أهمیة ملئه بتوسیع دائرة التشاور والتعاون بین القیادات السنیة، لاحت بدایة هذا الطریق من خلال اللقاء الذي جمع الرئیس تمام سلام، الأكثر وضوحاً في موقفه من الهجوم على رئاسة الحكومة، والوزیر السابق نهاد المشنوق، في أول إحتكاكٍ سیاسي بین المشنوق وأحد الرؤساء الثلاثة منذ كلامه في دار الفتوى وبعد عودتهم من السعودیة.
تعطیل الحكومة
لم یعد هناك أيّ شكٍ بأن حادثة قبرشمون تحوّلت كمیناً سیاسیاً للرئیس الحریري وللحكومة، رغم أن منطق الأمور یؤكد الإنتهاء من التحقیقات الأولیة والبناء علیها لتوصیف الجریمة ثم التقریر إذا ما كانت تنطبق علیها شروط الإحالة إلى المجلس العدلي.
فالنائب طلال أرسلان تلقى كلام أمین عام «حزب الله» حسن نصرالله حول وجوب إحالة ملف الحادثة المؤسفة إلى المجلس العدلي ودعم رئیس الجمهوریة العماد میشال عون والوزیر جبران باسیل لیبدأ حملة إبتزازٍ سیاسي تؤدي في النهایة إلى تعطیل جلسات الحكومة وإتخاذها رهینة لسیاسة الثأر من ولید جنبلاط، التي یریدها النظام السوري ویؤكدها حزب الله في النصّ السیاسي لقیادته العلیا.
مؤشرات تعطیل الحكومة لا تقتصر على ملف واقعة الجبل، بل تتوسع لتشمل تهدید الوزیر باسیل بإسقاط الموازنة بسبب تمریر البند الذي یحفظ حق الناجحین في مجلس الخدمة المدنیة، في موقف یحمل تحذیراً من إحتمال امتناع رئیس الجمهوریة عن توقیع قانون الموازنة، بعد أن وقعه رئیس الحكومة وأحاله على رئاسة الجمهوریة.
وهنا یعود باسیل إلى إستخدام موقع رئاسة الجمهوریة لتنفیذ سیاسة طائفیة مستفزة وجائرة، لهدفٍ سيىء آخر، وهو تعطیل الحكومة.
التصعید في وجه الحریري
یدفع «حزب الله» أدواته للتصعید في وجه الحریري وتوجیه خطابٍ ینال منه شخصاً وموقعاً، فكان تصریح وئام وهاب الذي رشّح «شاكر برجاوي بدیلا جدّیا للحریري و«ما بیركب عضهرو لا الشیعي ولا السني»، معتبراً أن الحریري لم یعد مشروعاً سعودیاً في لبنان ومن یبقَ علیه هو «حزب الله» والرئیس میشال عون، لیس لأنهما یحافظان على المكونات اللبنانیة، ولكن لأنهما تمكنا من دمج الحریري في إطار سیاساتهما المشتركة بعد أن رضي بخلع كل عناصر القوة لدیه داخل الساحة السنیة وخارجها.
تغییر في المشهد السني
ربما یقرأ وئام وهاب المشهد السني جیداً وأراد على طریقته المستفزة إستحضار نموذج بالغ السوء، على طریقة محوره في توجیه الإهانات للآخرین، ولكن التطورات تعطي الإنطباع بأن تغییراً فعلیاً قد حصل في هذا المشهد.
فزیارة الرؤساء الثلاثة للسعودیة شكّلت حدثاً مفصلیاً هاماً یتُوقع أن تكون له آثارُه السیاسیة، وهذا ما یرفضه الرئیس الحریري على ما یبدو، معبراً عن موقفه هذا من خلال عدم إستقباله لهم بعد عودتهم من المملكة.
من حیث الشكل، كانت الزیارة برضى الحریري وتمّ إستباقها بلقاءٍ تنسیقي معه، ولكن تجاهله لعودة الرؤساء الثلاثة حتى الساعة وعدم لقائه بهم، یعبّر عن رفضٍ غیر معلن من الحریري لما یمكن إعتبارُه جسماً سیاسیاً جدیداً یتمثل بالرؤساء السابقین للحكومات، یحظى برضى سعودي وعربي ویطرح نفسه مدافعاً عن إتفاق الطائف والدستور وعن مقام رئاسة الحكومة في وجه ما تتعرض له من إستهداف وإنتهاكات.
بعبارةٍ أخرى، أصبح الشأنُ السني مفتوحاً على إدارةٍ مشتركة مع الحریري بسبب تفاقم وتراكم العجز عن مواجهة ما یتعرض له من سَحْبٍ للصلاحیات وإستیلاءٍ على مسالك القرار وتعطیلٍ للدور وتهشیم للمقام، ووقوعه في قبضة دائرة مُحكمة من الكائنات السیاسیة المفترسة.
هذا المشهد بدأ یأخذ بُعدَه المحليّ مع خطوة إفتتاح مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانیة المرحلة الأولى من مركز الأمیر نایف بن عبد العزیز لغسیل الكلى في مستشفى المقاصد بالعاصمة اللبنانیة بیروت، بمعزل عن رعایة أو حضور الحریري، بینما حضر من الجانب اللبناني رؤساء الحكومة السابقون میقاتي والسنیورة وسلام، ورئیس تحریر «اللواء» صلاح سلام، والرئیس الفخري لجمعیة المقاصد الخیریة الإسلامیة مفتي الجمهوریة اللبنانیة الشیخ عبد اللطیف دریان، ومن الجانب السعودي السفیر ولید البخاري ومدیر فرع مركز الملك سلمان للإغاثة في لبنان فهد القناص وسفراء الدول العربیة في لبنان.
هاجس أهل السُنّة: كیف نوقف الإنحدار؟
الحدیث الیومي لدى النخب السنیة ومختلف الشرائح الشعبیة هو كیف یمكن وقف الإنحدار المتمادي في موقع رئاسة الحكومة وفي موقع أهل السنة في المعادلة الوطنیة، الناجم عن مراوحة الحریري في دائرة العجز عن المبادرة، في ظل إختلال موازین القوى نتیجة قانون الإنتخابات الجائر الذي فرضته التسویة الرئاسیة وكان أهل السنّة فیه الخاسر الأكبر.
وإنطلاقاً من هذا الواقع النیابي والسیاسي إستقرّت تركیبة المشهد السني على خمسة أركان:
– الرئیس سعد الحریري الذي یكابد عناء حصاده في التسویة الرئاسیة ویحصد نتیجة مقولة «إنتخبوا صدیقي جبران» وباتت سیاساته تهدّد موقعه ومستقبل أهل السنة في لبنان، بینما تحوّلت كتلته النیابیة إلى كتلة معطلة یبرز فیها مبتدئون یتقنون الوقوع الدائم في الأخطاء السیاسیة والبروتوكولیة حتى صار بعضهم مصدر تندّر دائم.
– الرؤساء فؤاد السنیورة، نجیب میقاتي وتمام سلام، وقد باتوا مضطرین بحكم موقفهم إلى مساندة الحریري حتى الآن، والتصدي للإنهاكات التي یتعرض لها مقام رئاسة الحكومة حتى لا تسقط آخر دعائم الوجود السیاسي السني في دولة الطائف. لكن لا بُدّ من التوضیح بأن حجم الفراغ الحاصل في الشارع السني بات أكبر من قدرة رؤساء الحكومات السابقین وحدهم على تغطیته والإستجابة للتحدیات القائمة، لأنهم لا یشكلون حالةً حزبیة ممتدة على مستوى الوطن، ولا یملكون مشروعاً واقعیاً لإستنقاذ أهل السنة من حالة الحصار التي یعانونها.
على مفترق التحوّلات
من یتابع الوضع في لبنان یدرك أنه على مفترق تحوّلاتٍ كبرى، وأن التوازنات التاریخیة فیه باتت مستهدفة، وأن معادلات الطائف أصبحت تحت ضغط السلاح، وأن أهل السنة لیسوا ضعفاء إذا خرج من یمثلهم في الحكم من حالة الإستلاب الحاصل للإرادة والقرار، وأنهم أقویاء بطاقاتهم ونخبهم وناسهم الأوفیاء، وأن التطورات الإقلیمیة لم تعد تحاصرهم كما في المراحل السابقة، شرط تحرّرهم من ربقة التسویة ومكائدها.
كلّ ما تقدّم یضع الجمیع أمام مسؤولیاته، فهل تتحرك القیادات والنخب للإنقاذ أم أننا سنجد أنفسنا بین لیلة وضحاها أمام 7 أیار جدید؟!