آفات التفكّك الأسري والمخدّرات والهجرة تضرب المجتمع السنّي
لا يمكن حلّ المعضلات إذا لم نعترف بها، فالمكابرة وادّعاء القوة في واقعٍ معاكس، أسرع الوصفات لتسريع الانهيار والسقوط.
هذا هو واقع أهل السنّة اليوم من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية، ومقاربةٌ بسيطة لهذا الواقع في أحوال الشباب تعطي الفكرة عن هول الفاجعة التي تصيبنا.
من يتابع حال المحاكم الشرعية يجد ارتفاع نسب الطلاق بشكل جنوني بين الأزواج الشباب تحت الأربعين عاماً، بسبب ازدياد حالات الفقر الشديد مما ينتج تفكّكاً أسرياً ستظهر نتائجه في العقد المقبل، حينها يمكن أن نكون قد فقدنا القدرة على تكوين الأسرة في مجتمعنا بنسبة عالية، وهذا سيؤدي إلى هزيمة ماحقة لوجودنا وهويتنا وحضورنا في لبنان.
المصيبة المكمّلة للتفكّك الأسري هي البطالة وفقدان فرص العمل، وهذه إشكالية قائمة وازدادت نسبتها مع الانهيار الراهن، وهي ستؤدّي حتماً إلى كارثة لا تقلّ خطورة عن التفكّك الأسري، وهي آفة الإدمان على المخدِّرات التي تضرب عصب الأجيال وتحوّل الشباب إلى متعاطين غائبين عن الوعي وغير قادرين على النهوض بواجباتهم تجاه أسرهم وتجاه المجتمع.
هذه التداعيات لا يمكن تركها بدون معالجة والتصرّف على أنّنا بخير، بل إنّ المنتظر من سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أن يبادر إلى إطلاق ورشة إصلاحية شاملة تتناول أوضاع مؤسسات دار الفتوى، وخاصة الأوقاف، لتكون مفتاحاً للتخفيف من الكوارث النازلة بعموم أهل السنّة، والعمل على استثمار الوقف بوسائل حديثة بالمشاركة مع رجال الأعمال الحريصين على سلامة المجتمع، وهناك مجالات واسعة للاستثمار يمكن أن تساهم في رفع الحرمان عن نسبة معتبرة من أهل السنّة.
لا شكّ أنّ الخطاب الديني يجب أن يتناول عمق الأزمات الراهنة، ولا يجب أن يبتعد عنها، فالعلماء شركاء الناس في حياتهم، وأيّ ابتعاد منهم عنها سيزيد الأحوال سوءاً، وسيُشعر الناس بأنّهم متروكون بلا مرجعية ولا سند، وهذا الشعور مدمِّر، وسيدفع الشباب نحو طرق ثلاث كلّ واحد منها أسوأ من الآخر:
– إمّا التطرّف تحت وطأة دعايات المجموعات المتطرفة، واستغلالها لأوضاع الناس الصعبة.
– وإمّا الانحراف نحو الفساد الأخلاقي والشذوذ عن الفطرة والاستقامة، والسقوط في هاوية المخدِّرات والفلتان.
– أو المخاطرة بركب عباب البحر في هجرة غير شرعية، باتت تفرّغ المدن السنّية من شبابها بأرقام قياسية. إضافة إلى فرار نسبة عالية من النخب أهل الاختصاص نحو الخارج.
هذان المساران لا يمكن تعطيلهما إلّا بالمبادرات الخلّاقة والجرأة على اتخاذ المواقف الصادقة، ورفض التعايش والتطبيع مع الفساد في الحياة العامة.
هناك أيضاً مراكمة لسلوك الشرائح السنّية في المناطق الشعبية، وهي استمراء بعضهم استخدام السلاح وإطلاق النار لأتفه الأسباب أو لاعتبارات سياسية أو أمنية، وهذا السلوك مؤشِّر سيئ لأنّه يفتح الباب أمام اختراق هذه المجموعات وحرفها نحو منزلقات سلبية تكون خليطاً بين انحرافي التطرف أو الانحلال الأخلاقي، وهنا تبرز الخشية من تحضير جهات الممانعة لأحداث أمنية تعيد نماذج سابقة، وترمي بمئات الشباب في السجون من جديد.
بعد عشر سنوات سيكون حال شبابنا بين فئات ثلاثة: إمّا متطرف أحمق، أو مبتلى بالمخدِّرات، أو مهاجر خارج البلد. وهذا يعني انهياراً داخلياً وسقوطاً لكلّ أشكال التماسك الاجتماعي وأهمها الأسرة.
ما يجري إذاً ليس صدفة، بل إنّه مخطّط مدروس متكامل يعمل على المدى القريب والمتوسط والبعيد، ومن شأنه أن يصيب أهل السنّة في مقتل إذا لم ينتبّه له المعنيون، وجميعنا معنيون.
أول المجتمعات انهياراً تحت وطأة الأزمة هو المجتمع السنّي، بينما صمدت المجتمعات الأخرى، لأنّ مرجعياتها الدينية وقواها السياسية حافظت على وجودها وعملت على احتضان ناسها وتحصين مناطقها، وهذا الواقع يستدعي مواجهة مباشرة لا مواربة فيها بالاستناد إلى القوة الذاتية، وعدم انتظار أيّ دعم خارجي، فنحن معنيون بتقرير مصيرنا ونحن أولى بالدفاع عن وجودنا قبل أن يكون العرب الأشقاء أو الأجانب الأصدقاء، معنيين بتأمين عوامل الصمود والبقاء لنا.
لا يفتقر أهل السنّة إلى الطاقات والقدرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لكنّ تفرقهم يجعل أهل السنّة لقمة سائغة أمام كلّ حاقد وطامع.
لا تزال عناصر القوة موجودة لكنّها مجمّدة، وقد آن الأوان لفكّ الجليد عنها، وهذا لن يحصل إذا لم ينشأ تعاون وثيق وساخن وعاجل بين السياديين السنّة ودار الفتوى، فهذا هو المدخل المنتظر.