IMLebanon

تغليب لغة العقل

 

 

ليس من السهل تقبّل ما حصل، وغلطة الوزير جبران باسيل لا تغتفر، ولكن الخطأ لا يُعالج بالخطأ ونحن نعرف أنّ الرئيس نبيه برّي حريص على لبنان، وأنّه لا يقبل بما حدث في الشارع، ولم نكن ننتظر كلامه، أمس، للتأكد من هذه الحقيقة وهو الذي قال في عين التينة لن أسمح بشيء يهدّد الإستقرار ووحدة لبنان واللبنانيين، وهذا دأبه المستمر والملتزم به مهما ساءت الأحوال واشتدت الأزمات.

 

صحيح أنّ الرئيس نبيه بري مجروح، ولكنه عُرف دائماً وأبداً بقدرته على التغلّب على الذات والجراح، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على ما عداها، وهذا ما ينتظره منه اللبنانيون في هذه الأزمة الشديدة التي لا تقل خطورة عن أعتى الأزمات في تقديرنا، ولكن حكمة دولته تبرز باستمرار لتقود الى الحلول لأصعب العقد والأزمات.

وفي هكذا حالات يُفترض بالعقلاء، المقبولين من الأطراف كافة، وبالذات من طرفَي النزاع الحالي، أن يتقدّموا ويبادروا الى تقريب وجهات النظر والبحث عن المخارج اللائقة التي تنطلق من مصلحة لبنان وأيضاً من حفظ الكرامات.

والرئيس نبيه برّي سبّاق في العمل على التقريب بين الأضدّاد… وله مبادرات كبيرة تُذكر فتُشكر… وهو الذي كان المبادر الى طاولة الحوار الوطني الجامع التي أعقبت التطورات الصعبة في 2006 وما بعدها، قبل أن تنتقل الى قصر بعبدا إثر انتخاب الرئيس السابق العماد ميشال سليمان، كما أنّ الرئيس برّي هو الذي بادر الى طاولة الحوار الثنائي بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، وقد أدّت هذه المبادرة المهمّة الى احتواء الأجواء التصعيدية ووأد الفتنة السنّية – الشيعية التي كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تنفجر.

لذلك عندما نتحدّث عن مبادرات دولة الرئيس برّي فإنما نكون كلنا ثقة بأنّه سيغلّب دائماً وأبداً المصلحة الوطنية العليا على ما سواها، ولن يكون بعيداً عن أن يتجاوب مع أي مبادرة واقعية وعقلانية… من هنا نكرّر الدعوة الى العقلاء كي يبادروا بدورهم فينطلقوا من كلام الرئيس برّي الوارد أعلاه، ومن كلام الرئيس عون بمسامحته من أساء إليه وإلى عائلته… إذ إنّ بين الكلامين مكاناً للقاء أو لا بدّ من إيجاد هذا المكان إن لم يكن للقاء المباشر فإنما لإلتقاء المواقف عند نقطة مشتركة، وهذه النقطة قائمة فعلياً وهي التي يمكن تلخيصها بـ”الحرص على المصلحة الوطنية العليا”.

ولقد يكون من الضروري الإشارة أخيراً الى أنّه لا يجوز أن تكون الانتخابات النيابية مدخلاً الى التصعيد من أي طرف كان في سبيل الحصول على الأصوات، ولن نستفيض حالياً في هذه النقطة.

وكلمة أخيرة: إنّ وزير الخارجية جبران باسيل هو رأس الديبلوماسية، ويفترض فيه أن يكون مثالاً في حسن اختيار الكلام، وليس انتقاء العبارات ذات النتائج والتداعيات الخطيرة كتلك التي نتجت عن كلامه الأخير.

عوني الكعكي