وكأنَّ الإعلام اللبناني لم يعد ينقصه سوى الإجراءات التعسفية لهيئة الإشراف على الإنتخابات اللبنانية.
انتهت الإنتخابات، فاز مَن فاز، سقط من سقط، التأم المجلس النيابي الجديد، انتخب رئيسه، انتخب رؤساء لجانه وأعضائها ومقرريها، بدأت اللجان النيابية اجتماعاتها، قطار العمل التشريعي ينطلق، إلا قطار هيئة الإشراف على الإنتخابات فإنه ما زال متوقفاً عند ملاحقة وسائل الإعلام، وكأننا على أعتاب المحاكم العرفية من الأزمنة البائدة.
هيئة الإشراف على الإنتخابات على ماذا أشرفت؟
كانت تريد صمتاً إعلامياً، ولكن كيف؟
وأين؟
ووفق أية معايير؟
إذا صمتت الصحيفة أو المجلة أو الإذاعة أو التلفزيون أو المواقع الإلكترونية، فماذا عن فايسبوك وتويتر وانستغرام وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي التي تحولت إلى وسائل تواصل سياسي وتواصل انتخابي، فاق أحياناً في تأثيره الإعلام التقليدي، فعن أيِّ صمت انتخابي تتكلم هيئة الإشراف على الإنتخابات؟
ثم إنَّ أول مَن خرق القانون هم بعض أعضاء هيئة الإشراف على الإنتخابات، فبموجب قانون تشكيلها ونظامها، يمتنع أعضاؤها عن ممارسة أيِّ عملٍ إعلامي. لكن أحد الأعضاء خالف القانون واستمرَّ يمارس عمله في وسيلتين إعلاميتين، في ظلِّ تطنيش من رئيسه الذي يلاحق وسائل الإعلام. فمن باب أولى أن يُقدَّم إخباراً إلى النيابة العامة بحق العضو المخالِف وبحق رئيسه الذي تغاضى عن المخالفة.
إنَّ نقابتي الصحافة والمحررين مدعوتان إلى تقديم دعوى في حق هيئة الإشراف على الإنتخابات لإزدواجية معاييرها لجهة مخالفتها القانون، ثم ملاحقة وسائل الإعلام بذريعة مخالفة القانون.
السيف المسلط للهيئة كان قد بدأ باكراً:
فقد تلقت مؤسسات الإعلام المرئي والمسموع عدداً كبيراً من التنبيهات والإنذارات الواردة من هيئة الإشراف على الإنتخابات، استتبعت بإحالات أمام محكمة المطبوعات والنيابات العامة الإستئنافية.
هذه الخطوات فاجأت الرأي العام، وأول مَن هالته هذه الإجراءات كان وزير الإعلام ملحم الرياشي، الذي اعتبر أنَّ الهيئة قد تجاوزت صلاحياتها القانونية وتحولت من هيئة إشراف على الإنتخابات إلى جهاز رقابي على المؤسسات الإعلامية وعلى حرية الإعلام في لبنان بلد الحريات. إنَّ هذه الإجراءات، ولا سيَّما إحالة وسائل الإعلام أمام محكمة المطبوعات جزافاً، تمسُّ بدور لبنان الطليعي كحامٍ للحريات في محيطه.
وبناءً على هذا الموقف المتقدِّم، وجَّه الوزير الرياشي كتاباً إلى وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى والمدعي العام التمييزي، طالباً فيه إعادة النظر في إحالات هيئة الإشراف على الإنتخابات ضد المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة، متمنياً عليهما وقف الملاحقات في حقها وحفظها، آخذاً على الهيئة عدم تمييزها بين الإعلام والإعلان الإنتخابي.
كان هذا الموقف لوزير الإعلام بمثابة حبل إنقاذ للهيئة لتنجو بواسطته من الغرق، لكنها بدلاً من أن تُنقذ نفسها فإنها أمعنت في الغرق، فأصدرت بياناً هاجمت فيه وزير الإعلام معتبرة أنَّ كتابه هو تدخل غير مشروع في شؤونها وصلاحياتها كما ومحاولة منه لمنع القضاء من ممارسة صلاحياته في النظر في الإحالات الموجهة ضد وسائل الإعلام التي أصبحت في عهدته، مخالفاً بذلك مبدأ فصل السلطات.
إنها الأزمنة الغابرة التي تعيش فيها الهيئة التي أنهت عملها، والحمد لله، لكنها لم تشأ إلا أن تبقي أثراً غير طيب عنها في أذهان الإعلاميين. لكن الصحافة لن تقف مكتوفة اليدين…