على ما يظهر، وإستكمالاً لاستجابة الرئيس سعد الحريري، في طلته التلفزيونية الأخيرة من الرياض مع الإعلامية بولا يعقوبيان، العودة الى بيروت، المفترضة خلال يومين، على أبعد تقدير، على ما تقول المعلومات المتداولة، والتي بقيت موضع متابعة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. بالنظر الى ما تركته من تداعيات، على الأوضاع كافة، فإن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قرر المضي في سعيه على ضمانات دولية لابعاد لبنان عن الإحتقانات وتصفية الحسابات الإقليمية، الى آخر الطريق، ولن يوفر سبيلاً للوصول الى ذلك… وتأسيساً على هذا، بدأ وزير الخارجية جبران باسيل يوم أمس، زيارة رسمية الى باريس يلتقي خلالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومنها يتوجه الى لندن وبروكسل وبرلين ومن ثم العاصمة الروسية موسكو… وهي جولة في قراءة متابعين قد تتوسع لتشكل دولاً أخرى، حاملاً معه «رسالة خاصة من رئيس الجمهورية»…
التفاعل الدولي مع التطورات اللبنانية، التي أعقبت «سبت الإستقالة» (قبل الماضي)، تجلى أكثر ما تجلى في المواقف الأوروبية، وفي طليعتها الموقف الفرنسي، حيث أكد بيان صادر عن قصر الإليزيه، متابعة ما سيحصل بالفعل، (بعد طلة الحريري الإعلامية الأخيرة) ومواصلة أخذ المبادرات التي تفكر فيها خلال مستقبل قريب… وإن هذه التطورات تبقى مرتبطة بتطور الأزمة…»، ولم يكن الموقف الروسي كما والموقف الألماني أقل وضوحاً بالتشديد على الإستقرار اللبناني…
في إتصاله الهاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة، شدد الرئيس الفرنسي على وجوب «المبادرة لطمأنة اللبنانيين وضمان الإستقرار في لبنان وحمايته من التأثيرات الإقليمية التي يمكن أن تكون مزعزعة للإستقرار…»، معتبراً «أن الخروج من الأزمة الحالية التي يمر بعودة الحريري الى لبنان وتمكينه من تقديم إستقالته الى رئيس الدولة في حال كان راغباً بالفعل بالإستقالة، ما لم يكن قد غيّر رأيه…»، لافتاً الى أن «فرنسا ضد كل التدخلات في الأزمة اللبنانية…» خصوصاً وإن «هذه التدخلات لا تأتي فقط من بلد واحد…»؟!
يؤكد عديدون أن الضغوطات الدولية بدأت تعطي نتائج إيجابية من أبرزها طلة الحريري الإعلامية الأخيرة من الرياض، وإعلانه العودة الى بيروت مع إمكان عودته عن الإستقالة ضمن خريطة طريق تسووية تستند أول ما تستند الى شرط «الحياد» والتزام «النأي بالنفس» الوارد في البيان الحكومي وصادق عليه مجلس النواب، في إشارة لافتة الى دعوة «حزب اللّه» الى الإنسحاب من الساحات العربية المتواجدة فيها، أو أقله إبداء الإستعداد لخطوة من هذا النوع..
وفي توقيت يتقاطع هذه التطورات، لفت بيان الخارجية الإيرانية، الذي نفى تدخل ايران في شؤون لبنان الداخلية، ومؤكد أن «إيران تتمنى عودة الرئيس سعد الحريري الى بلاده في أسرع وقت…»؟!.
الجميع بانتظار عودة الحريري… والجميع باتوا يدركون مخاطر إنتقال الصراعات المحورية – الإقليمية (وتحديداً السعودي – الإيراني) الى الساحة اللبنانية،وهم يتطلعون ويتابعون بدقة الدعوات الدولية التي تشدد على ضرورة حماية الإستقرار في لبنان… وقد ترك إعلان الحريري قرار العودة و»خريطة الطريق» التي رسمها للمرحلة المقبلة، لإخراج لبنان من لعبة المحاور الإقليمية والدولية، على قاعدة «الحياد» و «النأي بالنفس» عن الصراعات المحورية والحروب الدائرة في العديد من دول المنطقة، إرتياحاً لافتاً… وان ترك عند آخرين «غصة» أو خيبة أمل»؟! بحجة ان «التركيز على الشكل لا على المضمون» لا يحجب الأسباب الحقيقية التي كانت وراء اعلان استقالة الحريري» وفي مقدمها «الخطر الذي يسببه «حزب اللّه» للبنان من خلال تدخله العسكري في العديد من دول المنطقة..» والآتي قد يكون أعظم إذا لم يعد الحزب الى رشده. حزباً سياسياً لبنانية… ويبدأ إنسحابه من الساحات التي هو فيها…؟!
لا يغالي عديدون في التفاؤل، والتسوية الجديدة المفترضة، وإن أخذت في الإعتبار مجمل الإعتبارات والظروف والمعطيات الدولية والإقليمية والعربية والداخلية، فإنها لن تصل الى حدود ما يراه البعض «ضرورة الضرورات» – أقله في الظروف الراهنة..؟! وعلى قاعدة: «إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع…»، يدعو هؤلاء الرئيس الحريري، وما يمثل ومن يمثل، الى عدم المبالغة في «المثاليات» وهو الرجل الذي تصرف منذ ترؤسه حكومة «استعادة الثقة»، بحكمة وعقلانية وصبر لافت… خصوصاً وإن الرئيس عون على إستعداد لإعادة الحياة الى «الحوار الوطني» من أبرز عناوينه «الإستراتيجيا الدفاعية» لوضع إشكالية سلاح «حزب الله» على بساط البحث، رغم معرفته المسبقة، ويقينه، كما غالبية الأفرقاء انه «إذا لم يتأمن حل دولي – إقليمي لأزمات المنطقة، فإنه من سابع المستحيلات الوصول الى ذلك، لاسيما وإن الحزب صار في مرمى العقوبات والتهديدات (تحديداً الأميركية) – مباشرة ناهيك بالإسرائيلية، ومن المستحيل إحداث فتنة في لبنان من دون احداث خروقات داخلية تهدد وحدة لبنان واللبنانيين التي فعلت فعلها الإيجابي في مواجهة ما يخطط للبنان وأدت الغاية الوطنية المرجوة منها، وقد إنعكس ذلك في المواقف الدولية الإيجابية في معظمها تجاه لبنان الذي يؤكد الجميع وجوب تحصين واقعه الوطني في مواجهة الأخطار التي تتهدده من الخارج، في ظل ظروف استثنائية ومتشابكة ومعقدة تمر بها المنطقة…