الموقّعون ينتمون إلى كتلة الرئيس نبيه بري وكتلة “حزب الله” وكتلة “المستقبل”
نجح القاضي طارق بيطار في شطر العلاقة بين السلطة القضائية والسلطة السياسية بعد وضعه سلّة من الأسماء في دائرة الإدعاء، ولو أنّ التصويب على تلك الخطوة، بدا سهلاً تحت عنوان أنّها طُبعت باستنسابية الإدعاء والتمييز في التعاطي.
أكثر من ذلك، يقول أحد نواب الهيئة المشتركة بين هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل إنّه من المستغرب أن يعمد القاضي بيطار إلى الكيل بمكيالين في ملف التحقيقات، فيرفق على سبيل المثال طلب الإذن بملاحقة كلّ من مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم ومدير عام أمن الدولة اللواء انطوان صليبا، بالمستندات التي تستدعي بنظره الملاحقة، فيما يرفض تزويد مجلس النواب بالأدلة التي طلبها، وكأنّه يضع بذلك ثقته بالبرلمان موضع التشكيك مع العلم بأنّ النص القانوني يلزمه تقديم تلك الأدلة، لكي تتمكن الهيئة المشتركة من تقدير طلب حجب الحصانة ورفع تقريرها إلى الهيئة العامة.
كذلك، يبدو أنّه سيتمكّن أيضاً من شطر مجلس النواب على قاعدة اصطفاف طائفي بين مجموعة، مسيحية تحديداً، وتحت وطأة المزايدة الشعبية، مستعدة للتخلي عن حصانة النواب المدّعى عليهم، وبين مجموعة أخرى، وتحديداً مسلمة، تتوخى حجب الحصانة لخشيتها من حسابات سياسية كامنة خلف هجمة المحقق العدلي عشية الدخول في مدار الانتخابات النيابية، بشكل يعيد مشهد العام 2005 باصطفافاته المحلية والخارجية، إلى الأذهان.
إذ بعد اجتماع الهيئة المشتركة والتي خلصت إلى طلب مزيد من الأدلة من القاضي بيطار لكي تتمكن من أن تبني على الشيء مقتضاه، سارع القاضي المعني إلى إبداء ممانعته للامتثال لرغبة السلطة التشريعية، بحجة سرية التحقيق، رامياً الطابة من جديد في ملعب المجلس الذي اعتقد أنّه يحاول احراج المحقق العدلي بطلب مزيد من الأدلة والاثباتات.
يومها أعلن نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي فور انتهاء الاجتماع، إنه “بعد الاطلاع على طلب إذن ملاحقة 3 نواب من المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، ومراجعة المواد الدستورية، والنظام الداخلي للمجلس النيابي، يجب طلب خلاصة عن الأدلة الواردة في التحقيق وجميع المستندات والأوراق التي من شأنها إثبات الشبهات”. فكان ردّ المطلعين على موقف بيطار أنّ الأخير “اعتبر في كتابه الذي وجهه الى هيئة مكتب المجلس بأنه غير ملزم بتقديم أي مستندات اضافية بشأن النواب الثلاثة، على اعتبار أن أي معلومة إضافية سيعطيها ستمس بسرية التحقيق، مشيراً إلى أنه أرسل إلى المجلس المعطيات التي ولّدت لديه الشبهة بشأنهم، واستدعت الإدعاء عليهم”.
ولأنّ مجلس النواب أمام واقع انقسامي من شأنه أن يضعف موقفه ازاء هذه القضية، قرر اعتماد أسلوب الهجوم للدفاع واستعادة زمام المبادرة، من خلال تحضير عريضة نيابية هي بمثابة “مضبطة اتهامية” بحق المدّعى عليهم من جانب المحقق العدلي، بغية الوصول إلى المادتين 70 و71 من الدستور التي تنصّ على إنشاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وتنصّ العريضة على أنه “… بعد اطلاع المجلس النيابي على احالة المحقق العدلي السابق فادي صوان والذي رأى وجود شبهات جدية على رؤساء ووزراء، وبما ان المحقق بيطار وقد رأى احتمال وجود مثل هذه الشبهة على رئيس حكومة ووزراء، نتقدم بطلب اتهام واذن بالملاحقة أمام المجلس الأعلى بحق كل من الرئيس المستقيل حسان دياب، الوزير السابق يوسف فنيانوس والوزراء السابقين- النواب نهاد المشنوق، غازي زعيتر وعلي حسن خليل، بالاستناد لما ورد من كتب القاضيين بيطار وصوان واللذين يسردان ما قد يكون من شبهة ومسؤوليات على من وردت اسماؤهم، وكل من يظهره التحقيق فاعلاً او شريكاً او محرضاً او متدخلاً”.
وتحتاج هذه العريضة إلى توقيع خُمس أعضاء مجلس النواب، أي 26 نائباً لرفعها في ما بعد إلى رئيس مجلس النواب الذي يبلّغها بدوره للنواب والمدعى عليهم، مع اعطائهم مهلة 10 أيام للرد عليها، على أن يتم عرضها على تصويت الهيئة العامة لإنشاء لجنة تحقيق يفترض أن تعود لتعرض نتائج تحقيقاتها على التصويت العام بالثلثين اي 86 نائباً، وفي حال الاتهام، تتم الاحالة الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
في الوقائع، فقد سجّل يوم أمس توقيع أكثر من نائب على العريضة، والموقّعون ينتمون إلى ثلاث كتل نيابية: كتلة الرئيس نبيه بري، كتلة “حزب الله” وكتلة “المستقبل”، فيما يتوقع أن تستكمل الأمانة العامة للمجلس التواقيع لحين بلوغها الـ26.
وعليه، هل سيؤدي استرداد مجلس النواب ملف تفجير المرفأ إلى تراجع القاضي بيطار؟
يجيب أحد نواب الهيئة المشتركة أنّ مجلس النواب ملزم بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية لتكوين ملف، لأنّ المحقق العدلي رفض تسليمه أدلة الإدعاء، ولو أنّ الأمر لا يخلّ بسرية التحقيق، أسوة بما فعله في ما خصّ حالتي اللواء ابراهيم واللواء صليبا، مؤكداً أنّ ما أرفقه بطلب رفع الحصانة عن النواب لا يكفي لتكوين قناعة تسمح برفع توصية لحجب الثقة عن هؤلاء.
ويقول إنّه عملاً بمبدأ فصل السلطات، لا يفترض أن يتأثر عمل القاضي بيطار بالمسار الذي قد يفرضه مجلس النواب، في حال تحققت لجنة التحقيق البرلمانية من الإدعاءات بحقّ الاشخاص الواردة أسماؤهم في العريضة، ولكن إنشاء مجلس أعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء يعني قيام مرجعيتين قضائيتين في قضية واحدة، في سابقة لم تحصل بعد، ما يطرح علامات استفهام حول هوية السلطة الأعلى صاحبة صلاحية البتّ، مع العلم أنّ بيطار التزم نصّ القانون حين ترك للقضاة آليتهم الخاصة في المحاكمة، وأغفلها على رئيس حكومة ووزراء مع العلم أنّ الإدعاء يطال واجبهم الوظيفي.