Site icon IMLebanon

المفاجأة: واشنطن لم تكن على علم بـ «عاصفة الحزم»!

تحوُّل في الرؤية السعودية بعدما أدارت إدارة أوباما الظهر للحلفاء الاستراتيجيِّين

المفاجأة: واشنطن لم تكن على علم بـ «عاصفة الحزم»!

العهد الجديد في السعودية: التشدّد والمواجهة… جرس إنذار… وصحوة باتجاه مشروع نهضوي عربي – إسلامي

ما كشفته الأيام الماضية من معطيات أظهرت أن عملية «عاصفة الحزم»  لم تشكّل صدمة لإيران فحسب بل مفاجأة  للولايات المتحدة الأميركية التي أُبلغت بالعملية قبل ساعات معدودة، وكذلك لروسيا والغرب عموماً.

في المعلومات المستقاة من مصادر روسية أن احتمالات قيام المملكة العربية السعودية بالرد المباشر على الاندفاعة الإيرانية في المنطقة، ولا سيما في اليمن، لم يكن مطروحاً في الحسابات الروسية، وشكّل عنصر مفاجأة حقيقياً إزاء قدرتها ونجاحها في التحضير وقيادة هذا التحالف  العربي – الإسلامي العريض. وتلك كانت حال واشنطن، التي لم يتم التنسيق معها، ولا كانت جزءاً من التحضيرات بل تمّ إعلامها بالأمر.

المتابعون لمسار القيادة السياسية الجديدة في المملكة العربية السعودية مع الملك سلمان بن عبد العزيز يؤكدون أن السمة التي تطبع العهد الجديد هي سمة التشدّد والمواجهة، وهي سمة لم تكن غالبة في أداء السياسة السعودية التي كثيراً ما انتهجت طريق التهدئة والتعقل ومقاربة الأمور بالحوار والروية والاحتواء والمهادنة  والرهانات السياسية في تعاملها مع القضايا في المنطقة، فيما التحالفات مع الولايات المتحدة الأميركية تضمن المصالح الاستراتيجية الخليجية والأمن القومي لدول الخليج. ووفق هؤلاء أن ثمة تحولاً أساسياً طرأ على الرؤية السعودية ترافقت مع تطورين رئيسيين في المنطقة، أولهما «الربيع العربي» وما أحدثه من تداعيات على الدول التي ولجها، وثانيهما المفاوضات الإيرانية – الأميركية حول النووي الإيراني والتي كانت قطعت أشواطاً بشكل سرّي، وتفاجأت الرياض بحجب واشنطن الأمر عنها رغم التحالف الاستراتيجي الذي يجمع بين البلدين.

بدا الموقف الأميركي في كلا التطورين في ظل إدارة باراك أوباما بعيداً في مقاربته عن الأخذ بمصالح الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية ودول الخليج. وتزامن كل ذلك مع أولويات السياسة الخارجية لأوباما في الانسحاب من الشرق الأوسط بعدما آل التدخل الأميركي، من أفغانسان إلى العراق، إلى إطلاق  يد إيران في المنطقة وسعيها لمدّ نفوذها إلى دول المنطقة.

التباينات بين السياسة الأميركية والخليجية أخذت بالتبلور أكثر مع «الربيع العربي» واحتضان واشنطن للإخوان المسلمين، الأمر الذي رأت فيه دول الخليج تهديداً فعلياً لأمن دولها. المواجهة الأولى تجلّت في البحرين، حيث تحرّك «درع الجزيرة» حماية لمصالح الخليج في ظل محاولة إيران النفاذ من الحراك الشعبي تحت الطابع الشيعي الذي شهدته المنامة، وقرأت فيه السعودية استهدافاً لأمنها القومي. كان القرار خليجياً بمعزل عن واشنطن.

أما المواجهة الثانية، فكانت في مصر، حيث وفّرت المملكة، ومعها دولة الإمارات العربية المتحدة، الدعم لنجاح الثورة المضادة على الإخوان المسلمين، التي أخرجتهم من الحكم. وكان القرار بمعزل عن واشنطن. وجاءت عملية «عاصفة الحزم» مع العهد الجديد تتويجاً لسياسة المملكة في تولي زمام المبادرة والقرار دفاعاً عن مصالحها والمصالح الخليجية والعربية.

ويقول متابعون للسياسة السعودية أن المملكة كانت في غضون السنوات الماضية، ومع تولي الأمير سلمان وزارة الدفاع، تعمل على بناء سياسة دفاعية جديدة قامت على أساسها بتأهيل القوات المسلحة والرفع من مستوى قدراتها الهجومية وبناء ترسانتها العسكرية، بما يؤهلها لأن تشكّل قوة تدخل فاعلة، حتى أن صفقات الأسلحة والمعدات العسكرية كانت تتم في هذا السياق. وبدا واضحاً للمراقبين أن تكليف الملك سلمان لنجله محمد حقيبة الدفاع كان مؤشراً على استكماله للسياسة الدفاعية المرسومة.

وجاء خروج القمة العربية في شرم الشيخ بتشكيل قوة عربية مشتركة ليعكس هذا التحوّل ويجسّد قراراً بأخذ زمام القيادة من الأمام وإعادة التوازن، على الصعيد الإقليمي، الذي اختل مع محاولة إيران ملء الفراغ الأميركي الناشئ عن سياسة أوباما الخارجية حيال الشرق الأوسط.

تلك الرؤية السعودية والخليجية التي تُرجمت في التحالف العربي – الإسلامي العريض في لحظة بلوغ المخاطر حدّها الأقصى مع محاولة الميليشيات الحوثية، بما تشكله من ذراع إيرانية في اليمن، استكمال انقلابها واجتياحها  مدعومة بقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى عدن، لم تشكل فقط وقفاً للاندفاعة الإيرانية التي تباهى قادة طهران بأن أربع عواصم عربية سقطت في قبضتهم، وأن حلم الأمبراطورية الفارسية بات قاب قوسين أو أدنى من التحقق، بل آلت إلى تنفيس الاحتقان الذي أصاب الكثير من الشباب العربي بالإحباط في ظل الشعور بعجز قياداتهم عن قيادة المواجهة في الدفاع عن مصالح المنطقة. وهو الشعور الذي أفضى في لحظة الاستعار المذهبي إلى انجذاب الكثير من هؤلاء الشباب إلى التنظيمات المتطرّفة التي قدمت نفسها بديلاً عن عجز الزعامات والقيادات العربية والإسلامية.

فـ «عاصفة الحزم» التي انبثقت عن قرار عربي – إسلامي شكلت جرس انذار للحلفاء والخصوم وصحوة وأملاً للشعوب العربية، لا بد من أن تستكمل بمشروع عربي – إسلامي نهضوي يواجه التحديات ويحاكي طموحات وأحلام الشباب نحو دول متقدمة عصرية وديموقراطية، ويشكّل صحوة حقيقية كي لا تتحوّل إلى مجرد ردّة فعل وفرصة ضائعة!