بعد تأجيل البت في ملفي الأوضاع في بلدة عرسال والتعيينات الأمنية، إلى جلسة مجلس الوزراء المرتقبة غداً، يجزم أكثر من مصدر وزاري، مقرب من قوى الثامن من آذار، بأن بقاء حكومة تمام سلام ينتظر كلمة السر السعودية، خصوصاً أن «البيك» سيبحث الملفين، في زيارته إلى الرياض، مع المسؤولين السعوديين ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ليأتي بالمواقف الحاسمة
في هذا السياق، تشير أوساط متابعة، إلى أن هناك رغبة دولية وإقليمية بالحفاظ على الحكومة، في ظل الشغور الرئاسي وتعطيل عمل مجلس النواب، نظراً إلى التشابك الخطير على مستوى المنطقة، والذي من الممكن أن يمتد إلى الساحة اللبنانية بأي لحظة، لا سيما بعد سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي على مدينة تدمر السورية، ومخاطر تقدمه أكثر
وعلى الرغم من التصعيد القائم بين مختلف القوى المحلية، ترى الأوساط نفسها أن أغلب الأفرقاء لا يفضلون الذهاب إلى «الإنتحار» بسبب الخلاف على التعيينات الأمنية، من خلال تعطيل عمل مجلس الوزراء، حتى ولو كانت الإنتاجية في حدودها الدنيا، نظراً إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب أقصى درجات التضامن الوطني بسبب المخاطر المحدقة، وتسأل: «هل يتخيل أحد المشهد في حال قررت الجماعات الإرهابية القيام بأي هجوم من جرود عرسال في ظل حكومة تصريف أعمال؟
وتلفت الأوساط المتابعة إلى أن البلاد اليوم أمام مشكلة كبيرة سببها الأساس غياب الثقة بين مكونات الحكومة السلامية، حيث تؤكد بأن أياً من القوى الرئيسية لا يعارض تعيين قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز على رأس المؤسسة العسكرية، بعد إنتهاء ولاية القائد الحالي العماد جان قهوجي، لكنها توضح أن البعض في قوى الرابع عشر من آذار يريد أن يتم ذلك بعد إنتخاب رئيس الجمهورية، حيث تعتبر أن الموافقة على تعيين روكز تتطلب تخلي رئيس تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون عن طموحه الرئاسي، نظراً إلى أن تسليم التيار الوطني الحر» الموقعين الأبرز على الساحة المسيحية أمر لا يمكن القبول به، لا سيما من جانب حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، فعندها تصبح لدى «الجنرال» القدرة على «إجتياح» الشارع شعبياً
في مقابل ذلك، لدى «التيار الوطني الحر» رغبة في الفصل بين المسارات، ملف التعيينات الأمنية يعالج بعيداً عن الإنتخابات الرئاسية، وتسوية قيادة الجيش مقابلها تسوية الوضع في قيادة قوى الأمن الداخلي، حيث تشير مصادره، إلى أن الخلل موجود في موازين القوى من الأساس، والمعركة الحالية هي معركة إستعادة حقوق لا يمكن التخلي عنها بأي شكل من الأشكال، وعلى باقي الأفرقاء في الوطن المساعدة في هذا المجال من أجل طمأنة المسيحيين، لا سيما أن الأحداث تثبت أن وجودهم في الشرق مستهدف بالدرجة الأولى
من جانبها، تؤكد مصادر نيابية في كتلة «المستقبل»، أن لا أجواء إيجابية حتى الساعة، وتشير إلى أن التخلي عن الحلفاء المسيحيين غير ممكن في هذه المرحلة، وتعتبر أن المطلوب من «الجنرال» تفهم هذا الوضع، خصوصاً أنه في مواقفه الأخيرة عاد إلى موقعه الطبيعي، بعيداً عن الوسطية التي سعى إلى الإيحاء بها في الفترة السابقة
بالنسبة إلى هذه المصادر، المشكلة الحالية «مصطنعة» إلى حد بعيد، والمخارج لها موجودة منذ الآن، لكنها تستغرب الإصرار على رفض أي حل، وكأن المطلوب إسقاط الحكومة وصولاً إلى شل البلاد بشكل كامل، وتضيف: «إذا كانوا لا يريدون بقاء الحكومة لا مشكلة لدينا فلتسقط، لماذا مطلوب منا أن نقدم التضحيات التي ندفع ثمنها غالياً في الشارع، في حين هم لا يفكرون في مراعاة هذا الأمر؟»، وتعتبر أن الحل الأفضل المتوفر حالياً هو تأجيل تسريح مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص بعض الوقت، ليأتي تعيين كل من مدير عام لقوى الأمن الداخلي وقائد للجيش الجديدين مع بعضهما البعض، على أمل أن يكون الملف الرئاسي قد أنجز قبل ذلك الوقت
وسط هذه الأجواء الضبابية، تبدي مصادر وزارية، تفاؤلها، حيث تجزم بأن الحكومة ستتجاوز هذا «القطوع» في نهاية الأمر، خصوصاً أن هناك مساع جدية على هذا الصعيد، وضغوط تمارس من أطراف متعددة لعدم «اللعب في النار» في الوقت الصعب
من وجهة نظرها، هناك أمران ينبغي الرهان عليهما في الوقت الحالي، الأول موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الرافض لتعطيل عمل الحكومة، والذي يتناغم إلى حد بعيد مع رئيس الحكومة تمام سلام، ما يشير إلى أن وصول الأمور إلى أقصى حد لها من الخلاف لن يؤدي إلى سقوطها، فهي لن تفقد ميثاقيتها كما حصل مع حكومة فؤاد السنيورة بعد إنسحاب الوزراء الشيعة منها، ولن تسقط كما حصل مع حكومة سعد الحريري، خلال لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض، بسبب ملف شهود الزور، أما الأمر الثاني فهو زيارة رئيس الحكومة إلى العاصمة السعودية الرياض، حيث تعتبر أن الرجل قد يعود بمعطيات إيجابية تساهم في معالجة الخلاف القائم، خصوصاً أن المملكة غير راغبة في تفجير الأوضاع في ساحة إضافية، نظراً إلى إنشغالها بأوضاعها الداخلية وفي الأحداث اليمنية والسورية، وهي أصلاً تسعى إلى الوصول إلى تسوية في مصر، وتؤكد بأن الملفات العالقة موضوعة على جدول أعمال الزيارة، وتشير إلى أن سلام سيحرص على إقناع المسؤولين هناك بأهمية الوصول إلى تسوية ما، أو على الأقل الموافقة على تأجيل الأزمة مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح
في مطلق الأحوال، ترى المصادر الوزارية أن سقف الفريق المعارض هو تعطيل عمل الحكومة، من خلال الإعتكاف، لا أكثر، لكن «مغامرة» إسقاطها لن تحصل، وتضيف: «في الكثير من الأحيان كنا ندخل إلى الجلسات بأجواء متوترة، بسبب التوقعات المسبقة، لكن في نهاية المطاف «حكمة» الجميع تساعد في إبتكار حلول جيدة