يكتسب اللقاء عادةً بين أيّ من المجموعات والأحزاب المتصارعة والتي تختلف نظرتها السياسية والوطنية إلى واقع بلدانها أهمّية استثنائية، ويشكّل مادة إعلامية دسمة ومجالاً للأقاويل والإشاعات والتمنيات، خصوصاً إذا كان ماضيهما مثقَلاً بتجارب تلاقٍ لم يُكتَب لها النجاح أو الاستمرار.
وتتأكّد هذه القاعدة بكلّ تشعّباتها مرّة جديدة عشية الاجتماع المرتقَب بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، حيث نجَح اللقاء قبل أن ينعقدَ من هذه الناحية كونه حرَّك المياه الجامدة والهامدة في الحياة اليومية السياسية، إذ راحَ كثيرون يطرحون العديد من الأسئلة والتحاليل، بعضُها محِقّ وبعضها الآخر لا يمتّ الى الحقيقة بصِلة.
جزء منها يُطرَح عن حُسن نيّة وبهدف إلى تحصين اللقاء أو إعطاء أفكار جديدة تساعد على إنجاحه، وأخرى تُطلَق عن سوء نيّة بهدف تفخيخه ومَنعِ إيجاد أرضية مشتركة بين رئيسَي «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية».
المهم أنّ التحضيرات الجدّية بين الطرفين لإنجاح الاجتماع المرتقب مستمرّة، وترتكز على هدف مركزيّ يتمحور حول المحاولة للوصول الى نقطة مشتركة، وهي سُبل تحصين الوضع الداخلي في وجه العواصف السياسية والامنية التي تهبّ على المنطقة، والانطلاق منها نحو خطوات ونقاط أخرى اكثر تفصيلاً، تُعطي أمَلاً ودفعاً على الساحتين المسيحية واللبنانية.
خصوصاً أنّ اللقاء يتزامن مع موعد اللقاء الثاني المرتقب في عين التينة بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، والذي يمثّل أملاً كبيراً في تنفيس الاحتقان بين التيارَين ومَن يمثّلان على الساحة اللبنانية.
ُ
إذاً، وبصَرف النظر عن النتائج التي من الممكن أن يصلَ إليها اللقاء بين «التيار» و»القوات»، والحوار القائم بين «حزب الله» و»المستقبل»، تبقى التطوّرات الاقليمية التي أرخت بظلّها على الداخل اللبناني السبب المباشر والاساسي لهذا الحراك المختلف الأوجه، خصوصاً أنّ نيّة الأفرقاء جميعاً بعدم السماح بتفَلّت الوضع الداخلي اللبناني، إنْ على الصعيد الأمني، ومن هنا أهمّية الحوار بين الحزب و»المستقبل»، أو على الصعيد السياسي، وهذا ما يشير إليه اللقاء بين الجنرال والحكيم.
وفي هذا الإطار، وعلى عكس ما يعتقد كثيرون، فإنّ التطوّرات الخارجية وعلى مختلف مستوياتها فرَضت إيقاعها على القوى والأحزاب المؤثّرة في الساحة اللبنانية، وبدلاً من تهميش دور الداخل في إيجاد مساحات التقاء وحوار، أعطَته اندفاعةً لم يكن يتمتّع بها عندما كان الهدوء والوئام يسودان الجبهات الخارجية.
إنّ استغلال هذا الخطر الخارجي والاستفادة منه للاجتماع، ومن أجل إيجاد حلول لكثير من الأزمات الداخلية، يكون نتيجةً حتمية لوَعي الأفرقاء لأهمّية دَورهم في تفعيل حماية السِلم الأهلي وتعزيز المشاركة الحقيقية في السلطة، خصوصاً الاعتراف المتبادَل بأن لا شرعية تناقِض ميثاق العيش المشترك، وهذا لا يتم إلّا بالاتفاق على قانون انتخابيّ عادل، قائم على الإقرار بتمثيل عادل وحقيقي لكلّ فئات ومكوّنات المجتمع اللبناني. ومن الاتفاق على المشاركة، ينطلق البحث في حلول تشمل معظمَ الملفات العالقة منذ العام 2005.
من هنا ونتيجةً لكلّ ما تقَدَّم، ولتجارب العماد ميشال عون منذ عودته إلى لبنان، وعلى عكس ما ذهبَ إليه كثيرون من المشكّكين في نيّاته، فهو يذهب إلى اللقاء كعادتِه متسلّحاً بمقولةِ إنّه من غير المفيد أن ننسى الماضي، ولكن علينا أن لا نبقى أسراه. وأنّ الحرب والاختلاف هما الشواذ والسلام والاتّفاق يبقيان القاعدة.
والتجارب في لبنان كلّها سقطَت باستثناء تجربة الشراكة الوطنية الحقيقية القائمة على احترام حقوق وواجبات اللبنانيين بعضهم لبعض. هذه التجربة لم تسقط يوماً وتبقى الحلّ الوحيد لمواجهة أخطار الخارج وتشرذُم الداخل. وفي حال الاتّفاق عليها نُنقِذ الجمهورية والدستور، ونقوّي المناعة الداخلية، ونحافظ على الاختلاف البنّاء المطلوب لتعزيز الديموقراطية.
وكلّ مَن يخبر العكسَ عن نيّات رئيس «التيار الوطني الحر» من وراء سَعيِه إلى إنجاح اللقاء هو مشبوه، حاقد أو جاهل.