لم يحمل عام ٢٠٢٣ حلا لأزمة النزوح السوري، والأمر مرشح لأن يتكرر عام ٢٠٢٤، في ظل انسداد الأفق وعجز السلطة السياسية عن إيجاد حل جذري لمسألة النزوح، وفي ظل مراوغة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما المجتمع الدولي الساعي لإبقائهم في الدول التي نزحوا إليها، بتشجيعهم للبقاء بالإغراءات المالية. كما لم تنجح المحاولات الرسمية، على الرغم من الإجماع اللبناني لرفض النزوح، من تلويح رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في المنتدى العالمي للاجئين من سويسرا بعدم قبول لبنان مشروع الوطن البديل، الى دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لفتح البحر لعبورهم الى أوروبا، وتصعيد “القوات اللبنانية” لإقفال مكاتب مفوضية اللاجئين.
ومع ان حرب غزة سرقت الأضواء من ملف النزوح لكنها لم تلغه بالكامل، فملف النازحين مرتبط ارتباطا وثيقا بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وهو كان وصل الى ذروته قبل الحرب، واستحوذ على الإهتمام بعد الموجة غير المسبوقة من النازحين عبر المعابر غير الشرعية، التي أثارت تساؤلات في حينه بعدما تبين انها من فئات عمرية شابة.
ملف النازحين تصدّر الأولويات عام ٢٠٢٣ وسط سجالات جادة بين لبنان الرسمي والشعبي والمجتمع الدولي، مع انكشاف أهداف سياسية دولية وراء دعم النازحين، مما يشكل خطرا وجوديا كبيرا على لبنان، مع استمرار النزف الحاصل وعدم ضبط حركة الوافدين من سوريا.
ومع توقف الموجة غير المبررة للنازحين، بسبب التدابير الأمنية المشددة للجيش في ملاحقة المهربين، والدخول في فصل الشتاء الذي يعيق التهريب في البحر، إضافة الى اجراءات البلديات والأحزاب ضمن نطاقها الجغرافي، والوضع الإقتصادي والإجتماعي السيىء في الداخل اللبناني الذي حد من الموجة الكبيرة، لكن هذه العوامل لم تشجع النازحين على العودة الى سوريا، على الرغم من مخاوف اندلاع حرب واسعة بين لبنان و”اسرائيل”، واحتمال تطور الوضع العسكري على الجبهة الجنوبية، فلم تسجل أي عودة لنازحين الى بلادهم بعد عملية طوفان الأقصى، كما لم يتم رصد حالات نزوح لسوريين من الداخل اللبناني الى مناطق أخرى، حيث اقتصر الزوح من المناطق الحدودية التي تعرضت لقصف العدو الاسرائيلي على الجنوبيين مع بقاء النازحين السوريين.
في التقديرات، لا شيء يدفع النازح السوري الى مغادرة لبنان، ويرمي كثيرون مسؤولية الاستهتار على الدولة اللبنانية، فالتعامل الرسمي مع الأزمة لا يزال دون المستوى المطلوب، فكل ما أنجزته حكومة تصريف الاعمال لقاءات تشاورية وطرح الصوت لدى الدول الغربية من دون نتيجة، وزيارة وزارية الى سوريا غير منتجة . فالمعالجة الرسمية لأزمة النزوح دون مستوى الأزمة، كونها محكومة بالنكايات والحسابات السياسية، ولبنان الرسمي عبر الأمن العام تسلم “داتا” النازحين من مفوضية الأمم المتحدة، إلا ان هذه الخطوة وان كانت تمكن الدولة اللبنانية من الحصول على وثائق ومعلومات شخصية عن عدد من النازحين ومن يدخل ويخرج منهم الى سوريا، لكن المعلومات لا تشمل الجميع، وتعتبر خطوة ناقصة كونها تحتاج الى المزيد من الخطوات، بسبب الفوضى التي تحكم الملف، والتستر على الأرقام والمعلومات، حيث يفترض ان يكون للدولة “داتا” خاصة بها.
بينت الأحداث ان ملف النزوح من أخطر الملفات التي واجهها لبنان منذ اندلاع الحرب السورية عام ٢٠١١، فلبنان الرسمي لا خطة واضحة لديه تلامس خطورة الملف، وكل ما تملكه الدولة اللبنانية مجرد أفكار ومشاريع على الورق وتعاميم من وزارة الخارجية والداخلية والبلديات، فيما مخطط بقاء النازحين واضح وضوح الشمس لتوطين فلسطيني وسوري مزدوج، برعاية خارجية لإبقاء النازحين في لبنان ودمجهم، وهذا الأمر يؤكده تواطؤ المجتمع الدولي الذي يمد النازحين بالمساعدات والأموال، ويشجع من بقي في سوريا على الخروج منها للإفادة المالية والرعاية الدولية، كل ذلك مع استحالة الوصول الى حلول سياسية بسبب الخلافات السياسية، وعدم اتخاذ إجراءات رسمية حاسمة.