تبدو معالجة ملف النزوح السوري مغايرة اليوم، فيما كان يعود كل فترة الى التداول من دون ان يتوصل المعنيون الى حل، على الرغم من مرور كل تلك السنوات على بدء الازمة السورية في العام 2011، اذ كانت العودة الى ديارهم تتلقى الرفض لأسباب غير مقنعة، على الرغم من الهدوء الذي ساد معظم المناطق السورية، الامر الذي فتح الأبواب على مصراعيها، لكنها بقيت خجولة اذ لم يتحقق سوى القليل منها.
وسبق ذلك، إطلاق رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي “خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022- 2023″، حين تحدث عن ازمة غير مسبوقة يعاني منها لبنان، وهي إستضافة نسبة كبيرة من النازحين السوريين قياساً الى عدد سكان لبنان، الذي يعاني من انهيارات على كل الاصعدة، الامر الذي يتطلّب إعطاء الاولوية لدعم اداراته ومؤسساته والبنى التحتية فيه، في ظل تراكم الازمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية في لبنان، الذي لم يعد لديه القدرة على تحمّل كل تلك الاعباء، وحينئذ طالب الحكومات الصديقة والفاعلة والأمم المتحدة الى مضاعفة الجهود، لتحقيق العودة الآمنة للنازحين الى سوريا.
في ذلك الوقت هدّد ميقاتي بإعادة النازحين السوريين، إذا لم يتعاون المجتمع الدولي مع لبنان في تأمين عودتهم الى سوريا، وإلا سيكون له موقف غير مستحب على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية، لكن لم يتحقق اي شيء من ذلك التهديد.
الى ذلك، وصلت الرسائل الدولية تباعاً، وبعضها أشار الى حق اكتساب النازحين السوريين للجنسيات في البلاد التي نزحوا اليها، اي ما يمكن ان يفتح باب توطين السوريين في لبنان، وكل ذلك جاء للحد من لجوئهم الى أوروبا.
كما صدرت مواقف مباشرة عن البرلمان الأوروبي، الذي صوّت بأغلبية ساحقة على قرار يدعم إبقاء النازحين السوريين في لبنان. وقد فعلت بعض الاصوات الرافضة فعلها ، الا ان حكومة تصريف الاعمال كانت تتلهى بالقشور السياسية، وبالخلافات بين وزرائها على هوية مَن سيترأس الوفد الوزاري الى سوريا، الامر الذي دفع بمصادر سياسية متابعة للملف الى إطلاق المخاوف والهواجس من وجود نيّة لإبقائهم في لبنان، عبر اتفاق عربي- اوروبي، وذكّرت بمواقف المسؤولين الدوليين، حين هدفوا قبل عقود من الزمن الى حلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين على حساب لبنان، فأيدت ذلك بعض الجهات السياسية انطلاقاً من منحى طائفي، فكانت النتيجة ثمناً باهظاً دفعه لبنان واللبنانيون فقط، لكن ومع انتهاء الحرب اللبنانية حصل إجماع بكل الفئات السياسية على رفض التوطين، والتأكيد على حق عودة الفلسطينيين الى ديارهم، بحسب القرارات الدولية لا سيما القرار 194.
ورأت المصادر المذكورة أن التوطين بكل اشكاله وانواعه، يخيف اللبنانيين وخصوصاً المسيحيين، لكنه يؤدي دائماً الى توحيد مواقفهم الرافضة له، وهذا ما نشهده مع توحيد موقف الاحزاب المسيحية وبصورة خاصة “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”.
واشارت المصادر الى انّ لبنان ليس المسؤول الوحيد عن معاناة الشعب الفلسطيني في السابق، واليوم الشعب السوري، فهنالك الدول العربية التي كان همّها الوحيد رفع المسؤولية عنها ووضع لبنان في عين العاصفة. ورأت المصادر انّ الحل كان وسيبقى التفاوض اولاً بين الحكومتين اللبنانية والسورية، وهذا ما سيحصل من خلال وفد وزاري سيزور دمشق قريباً لبحث هذا الملف العالق منذ سنوات، والذي تضخّم كثيراً ولم يعد مقبولاً السكوت عنه، في حين اعتبر البعض الآخر أنّ التفاوض مرفوض مع دمشق لأسباب سياسية خلافية معها ، ما دفع بهذه المصادر الى السؤال حول هدف الرافضين للتفاوض؟ فهل يريدون اكل العنب ام قتل الناطور؟ وإلا لن يكون هنالك حل مرتقب، مشدّدة على ضرورة الإسراع بحركة التفاوض، وهذا ما سيجري قريباً من خلال وفد وزاري الى دمشق للتفاوض مع المسؤولين السوريين، لان المشكلة باتت كالقنبلة الموقوتة القابلة للانفجار في أي لحظة.