أخيراً، تنبّهت السفارة السورية في لبنان، الى أن ثمة مواطنين لديها يعانون الأمرين في بلاد النزوح ويدفعون ثمن غربة قسرية أرغمهم النظام السوري على اللجوء اليها هرباً من بطشه وزنازينه، وخوفاً من جرّهم إلى جبهات موت مُدعّمة بدشم رُفعت ركائزها على أكياس من الدماء بدل الرمال وجثث معارضين رافضين لحرب استشعروا يوم إشتعالها، أنهم سيتحوّلون ذات يوم، إلى وقود لها أو ورقة تفاوض، على أجسادهم ودمائهم، تُقام البازارات والصفقات وعليها تُرسم خرائط التقسيم والترحيل.
سفارة نظام القتل في لبنان، تفشل للمرّة العاشرة بعد المئة، في نزع ثوب الإجرام عنها ومحو بصمات الجرائم والأدلة التي تُثبّت تورط مرؤسيها في كل فعل صغير وكبير طال الأبرياء منذ عهد الوصاية على لبنان، إلى زمن عهد الضحايا في سوريا. ومن باب تعويم نفسها على صفحات بيضاء، بعد غرقها في آلام شعبها وجرّه إلى الموت مُرغماً، إنعطفت السفارة السورية في لبنان بقيادة ضابطها المخابراتي باتجاه طريق فرعي تبيّن أنه مُغلق تماماً ولا مجال فيه لإكمال سيرها نحو اللعب على الغرائز واستمالة عقول بعض مواطنيها في السياسة بعدما عجزت عن ذلك من خلال التهديد والوعيد.
السفارة السورية والتي هي بمثابة الفرع المخابراتي الثالث في لبنان، بعد زوال فرعي «البوريفاج» و«عنجر»، أشارت في بيان لها أوّل من أمس، إلى أن «وسائل الإعلام تناولت أخيراً مسألة تعرض المواطنين السوريين العاملين في لبنان لسوء في المعاملة وممارسات غير لائقة وصلت حد فرض العمل سخرة»، معتبرة أن هذا «الأمر انتهاك للقيم والأعراف وأواصر الأخوة التي تربط بين الشعبين الشقيقين». ولفتت إلى أنها «تتابع أمور مواطنيها دائماً، ولا تدخر جهداً للقيام بكل ما من شأنه المحافظة على كرامة المواطنين السوريين وحقوقهم، مع الحفاظ على العلاقة الأخوية بين الشعبين والدولتين». ظهر هذا البيان وكأنه صادر عن بلد لا تُقاس فيه أهميّة المواطن لا بكرسي حكم، ولا يُرتهن فيه مستقبل أطفاله، لمشاريع ومخططات جهنمية أو «جهادية».
مشهد تعذيب أحد المواطنين السوريين وكيل الشتائم له، لا بد أنه خدش مشاعر سفير النظام السوري وأيقظ المشاعر والأحاسيس التي كان يكتنزها في داخله والمتعلقة بالخوف على وطنه والمصير المجهول الذي ينتظره. ولا بد أيضاً، من أنه أخذه في جولة حنين خيالية إلى بلاده وأيقظ في داخله صور الأطفال الموزعة أشلاؤهم على الأرصفة والطرق، وعلى أبواب المدارس والمستشفيات، وبعثت في نفسه مشاهد براميل الحقد وأصوات الإستغاثة ودعوات الأهل «يا نار كوني برداً وسلاماً على أطفالنا». كل هذا تخطّاه سفير نظام القتل والإجرام، وداس عليه واستبدله بجملة مواعظ يحملها معه من منبر إلى آخر. مُخبر من زمن الوصاية، يحاول اليوم أن يرفع غبار الزمن من على جبين نظام مُلطّخ بالعار والإجرام، «يؤكد»، على الرغم من أن قاموسه اللفظي ومصطلحاته التعبيرية، لا تصلح سوى للقتل والتآمر والتنكيل، أن وكر سفارته، «تتابع أمور مواطنيها دائماً، ولا تدخر جهداً للقيام بكل ما من شأنه المحافظة على كرامة المواطنين السوريين وحقوقهم».
دموع التماسيح هذه التي تُذرف على مواطنين هربوا من بطش نظام هذا السفير تحت جنح الظلام، بعد أن تركوا وراءهم الأهل والأرزاق وذكريات وطن تحوّل من حضن دافئ إلى كرة نار تشتعل منذ ستة أعوام، يقف خلفها رجل سبقه صيته قبل أن يأتي إلى عالم الديبلوماسية والتي لا يفقه منها سوى اسمها، اشتهر يوم كان قائماً لأعمال سفارة نظامه في دولة الكويت في العام 2004، بإعداد تقارير سرية كان يرسلها إلى قيادته في سوريا، تتضمن حركة السفراء الغربيين والعرب إضافة الى النشاطات التي كان يقوم بها المواطنون السوريون هناك. ومن السوريين من يتساءلون: «هل نسي علي التقارير التي كان ينسجها بحق زملاء له كانوا يعملون في الحقلين السياسي والإعلامي؟ وهل نسي لوائح الأسماء التي وزعها على المعابر التي يسيطر عليها النظام يوم اندلاع الثورة، والتي على أساسها تم اعتقال مئات الشبان، منهم من قُتلوا أثناء التعذيب، ومنهم من يُعتبر مصيرهم مجهولاً. من دون نسيان الأموال الطائلة التي حصلها هذا السفير وأزلامه التجّار، من خلال الوساطات التي كانوا يجرونها لفك أسر المساجين من زنازين النظام السوري».
وعطفاً على معاناة الشعب السوري في لبنان، وما يواجهه على يد جماعة سفارتهم فيه، نشر أحد المواطنين السوريين على صفحته، الصعوبات التي يواجهها السوري للحصول على جواز سفر. يقول: «لعل سعادة السفير سعيد ويفخر بمرسوم بشار الأسد الأخير بخصوص تمديد وتجديد جوازات السفر السورية في سفارته في لبنان، وهو يعلم حرمان السوريين اللاجئين في لبنان، الذين لا يتمتعون بإقامة شرعية لأسباب قسرية، من حقهم بالوصول إلى السفارة حيث لا تسمح حواجز القوى الأمنية على مداخل الحيّ في الحازمية لهؤلاء بالدخول. وهو يعمد أحياناً إلى اعتقالهم على يد شبيحته، وتسليمهم».
ويضيف: «ربما هكذا أنسب وأنفع له ولأزلامه في دكانة السفارة: فدكانة السفير تسمح لمعقبي المعاملات بتخليص معاملات هؤلاء السوريين لقاء بدلات مرتفعة تتجاوز ألف دولار عن المواطن السوري، وتمنع ذلك عن المحامين حملة سندات التوكيل الأصلية عن هؤلاء المواطنين، والتي تتضمن صلاحياتها استلام جوازات السفر. وحاشى الاستغراب، فلعلّ أمراء السفارة وعلى رأسهم سعادته الشاعر يتقاضون عمولات من معقبي المعاملات على حساب المواطنين الأشقياء السوريين، الذين صاروا مرغمين على دفع رسوم باهظة لخزينة دولتهم وفوقها عمولات أفحش لشبيحتها من أجل الاستحصال على جواز سفر غير مزوّر مدته الأقصى عامان تعيد لهم حق التنقل الطبيعي للإنسان».