خلال المداولات في مؤتمر يالطا سأل تشرشل ستالين: “هل صحيح أنك قتلت مليون روسي؟”. رد سيد الكرملين: “غير صحيح، قتلت خمسة ملايين، وهذا مجرد رقم، في حين أنك تحزن على موت صديق”. ثم سأل ستالين تشرشل: “لماذا تكذب كثيراً؟”. رد رئيس الوزراء المنتصر بالقول: “لأن الحقيقة ثمينة جداً، ويجب أن تحوطها بسور من الأكاذيب”.
ونحن في مشهد قتل معلن على يد نظام توتاليتاري أمني سقط، ومشهد رهانات معلنة على ما تنتهي إليه “سوريا الجديدة”. فما هو النموذج الذي تتجه إليه سوريا بعد هرب الأسد وسقوط نظامه وغموض سيناريو ما جرى في الساعات الأخيرة التي سبقت فجر الثامن من كانون الأول 2024؟ هل هناك نواة مشغولة على مهل لنموذج جرى حوطه بأكبر قدر من التطمينات أم أننا أمام نموذج مفتوح يتم صوغه وسط الكثير من الاقتراحات والأسس المهمة في القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2015؟
ليس قليلاً ما أمامنا من نماذج. من الغزو الأميركي قبل “الربيع العربي” و “الشتاء الإسلامي” إلى اليوم. وفي البدء عام 2003 كان إسقاط الرئيس صدام حسين بالقوة الأميركية، وما جرى بعده من فوضى وحروب أهلية وتغوّل إيراني وأميركي وفساد لا مثيل له. ثم كرّت السلسلة عام 2011.
نموذج ما بعد القذافي في ليبيا حيث الانقسامات الجهوية والقبلية وسطوة الأصوليات. نموذج ما بعد الرئيس علي عبد الله صالح في اليمن، حيث انتهت الثورة بانقلاب حوثي ومعارضة جنوبية وشمالية للحوثيين وفقر للجميع. نموذج مصر بعد سيطرة الإخوان المسلمين على الثورة وتنصيب محمد مرسي رئيساً، ثم الثورة الثانية التي قام بها الشعب والجنرال عبد الفتاح السيسي الذي تولّى الرئاسة وقاد مصر إلى استقرار أمني بعد إعادة الأمانة إلى الجيش منذ ثورة تموز 1952. ونموذج البلدان السابقة في المعسكر الاشتراكي والتي انفتحت على تجربة ديمقراطية مهمة وحياة حزبية نشطة وانفتاح اقتصادي ليبرالي أيّده كثيرون وبقي له معارضون. فماذا على الطريق في سوريا؟
الموفد الدولي غير بيدرسون الذي أتعبه النظام والإيرانيون ولم يساعده الروس حتى في مؤتمرات السوريين لصوغ دستور جديد، يعاود السعي “لحل ديمقراطي بقيادة سوريين” لتطبيق القرار 2254.
ومعه اليوم أميركا وأوروبا والأمم المتحدة والدول العربية. وهناك بالمقابل من يتخوف من أن يكون النموذج العامل حالياً هو نموذج “الحكم” في إدلب تحت سلطة هيئة تحرير الشام، بصرف النظر عن الضمانات والتطمينات التي يقدّمها “القائد العام” أحمد الشرع، أبو محمد الجولاني.
لكن اللعبة ليست مغلقة. فالثورة ليست من صنع فريق واحد، وإن كان الشرع هو الطرف الذي قاد التحرك الأخير ضد النظام. فهي من صنع ملايين قدّموا تضحيات هائلة قبل 2011 وبعده. والقوى المحلية والإقليمية والدولية مصرّة على “حكومة شاملة جميع السوريين”، وإلا فلا إعادة عمار ومساعدات ورعاية دولية وإسقاط من لائحة “الإرهاب”.
و”ما يحفّز الشعب على الثورة ليست المعاناة بل إدراك أشياء جيّدة” كما يقول إريك هوفر.