إذا لم تنطلق الجولة الاولى من المفاوضات بين وفدي النظام والمعارضة السوريين في جنيف يوم الاثنين المقبل في 25 من الجاري، فإن مجموعة من الدول ستكون على استعداد لتحميل روسيا مسؤولية وضع العصي في دواليب هذه الانطلاقة، جنبا الى جنب مع المواقف الاوروبية او الغربية عموما التي تحملها مسؤولية الاستمرار في استهداف المدنيين في سوريا، وليس استهداف عناصر تنظيم “الدولة الاسلامية” كما تدعي روسيا، وهو ما اشار اليه مرارا وتكرارا في الاونة الاخيرة وزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا. هذا على الاقل ما تعتقد مصادر ديبلوماسية ان الامور تتجه اليه اذا اصرت روسيا على فرض لائحة اسماء وفد المعارضة السورية الى المفاوضات، على رغم أن موعد انطلاق هذه الاخيرة مهم برمزيته وبالمضمون، للقول ان المسار السياسي للحل قد بدأ. وهذا أمر يهم روسيا الى حد كبير كما يهم دولا أخرى. وهناك اصرار دولي على عدم التأجيل من اجل عدم اعطاء انطباعات خاطئة عن وجود خلافات دولية تعرقل هذا الانطلاق، على رغم ان التشدد الروسي الاخير في شأن وفد المعارضة قد ترك الامور غير جاهزة فعلا للبدء في الموعد المحدد. وهناك مواقف متناقضة في مجلس الامن تبدو استباقية في شأن حدود وقف النار وإمكان تنفيذه، إضافة الى الموقف من طلبات المعارضة الاستباقية حول رفع الحصار وإطلاق المعتقلين كبادرة حسن نية.
الاعتراض الروسي على وفد المعارضة التي اجتمعت في السعودية يضعه البعض في اطار التحفظ عن موقع الرياض في العملية السلمية المتصلة بالمفاوضات السورية بالنيابة عن النظام كما عن ايران ايضا، الى جانب أن لدى موسكو نفسها أسماء معارضين محسوبين عليها تتفاهم معهم ويمكن ان يعدلوا قوة المعارضة الاخرى. والرعاية الروسية المباشرة للوضع السوري، والذي يضع روسيا في تماس مباشر مع كل ما يتصل بها، هو ما يفسر ايضا بالنسبة الى المصادر نفسها سعي روسيا في مجلس الامن الى تسليط الضوء على الاوضاع الانسانية في اليمن، في ضوء استمرار حرب التحالف بقيادة السعودية هناك في كل مرة أثيرت الاوضاع الانسانية في سوريا في الاونة الاخيرة على نحو يظهر روسيا في موقع الطرف المباشر المعني بتداعيات كل ما يجري في سوريا.
وإذا انطلقت الجولة الاولى في موعدها، فإن الآمال ليست كبيرة في أن يكون تنفيذ القرار 2254 هو السبيل لوقف الحرب فعليا في سوريا، أقله بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين. فالعرقلة لانطلاق المفاوضات انتظرها هؤلاء من الدول الاقليمية، وتحديدا من ايران والمملكة السعودية، استنادا الى التوتر الذي تصاعد اخيرا بين البلدين على خلفية اعدام الشيخ نمر النمر واحراق السفارة السعودية في طهران بما قد يؤثر على انطلاق المفاوضات حول سوريا. والخلاف الايراني – السعودي لا يمكن أن يساعد على حل أي من الازمات التي تنخرط فيها ايران في المنطقة وتتواجه فيها مع المملكة السعودية، وفقا لقرار في مجلس الامن أو حتى وفقا لاتفاق أميركي – روسي. وثمة مبررات مباشرة لذلك تضعف الآمال بمسار خريطة الطريق السورية، في مقدمها أن مجلس الامن الذي اصدر القرار 2216 حول اليمن في نيسان الماضي لا يزال يتعثر في مسار حل كان يفترض ان يكون واضحا وملزما، بموافقة كل من الولايات المتحدة وروسيا. إلا أن الخلاف الاقليمي الذي تنخرط فيه ايران لا يشجع على أن تؤدي المفاوضات حول اليمن الى نتيجة بموجب هذا القرار الدولي الذي يشهد تعديلات ضمنية على طريق محاولة التنفيذ، الامر الذي يؤدي تاليا الى تعزيز الاقتناع بأن التوتر المفتوح على الغارب بين ايران والسعودية لن يسمح لخريطة الطريق التي اتفق عليها بين روسيا وواشنطن في شأن سوريا بأن تجد سبيلا الى التنفيذ. فالجرح اليمني لا يزال نازفا على وقع الصراع السعودي – الايراني، وليس اكيدا اعتبار المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي ان الهجوم على السفارة السعودية كان سيئا بالفعل لايران وللاسلام، كما قال هو على سبيل الاعتذار ورأب الصدع، بمقدار ما هو لتنفيس اجتماع مرتقب اليوم في جدة لمنظمة دول التعاون الاسلامي لاتخاذ موقف من ايران على غرار ما فعلت الجامعة العربية قبل عشرة ايام. ولا يبدو ان ايران تطمح الى محاولة عزلها عربيا بعد فك عزلتها الدولية، بل على العكس، خصوصا متى ساعدها ذلك في كسب رأي عام غربي يبدي تعاطفا مع خطواتها الانفتاحية.
وتقول المصادر المعنية إن توافق كل من واشنطن وموسكو لا يعني حتما أن توافق الدول الاقليمية على ما اتفق عليه الاثنان. وهذا يسري في شكل خاص على التقارب الذي حصل بينهما في شأن ترك مصير بشار الاسد، بحيث يشارك في المرحلة الانتقالية وفق ما يريد الروس، في حين لا يشارك في الانتخابات المقبلة كما يريد الاميركيون، ومن هنا تمديد وجود الاسد حتى ربيع 2017. ومعلوم أن هذه المصادر، وان كانت تثق بأن روسيا تدرك أن بشار الاسد لا يمكن أن يستعيد السيطرة على سوريا، فإن وجودها العسكري المباشر الى جانب ابتعاد الولايات المتحدة وانشغالها بانتخاباتها الرئاسية قد يكونان من العوامل المباشرة من أجل تغيير الواقع الميداني على الارض بما قد يبتعد كثيرا عن القرار 2254 ويجعله غير ذي أهمية .