ثلاث سمات أبرزتها السنوات الأخيرة للنظام الأسدي:
فهو نظام صارت علاقته مع الحرب الأهلية كعلاقة السمكة بالماء، ليس بمستطاعه أن يعيش ليوم واحد من دون حرب. ليس بمستطاعه أن يتحمّل يوم هدنة واحداً بعد خروج الأنسجة الأهلية السورية عليه، وبعد كل ما ارتكبه ضدها، وبعد تضخم هويته الفئوية أو نفورها أكثر من أي وقت، وبشكل متصاعد الدموية. التوازن الكارثي بين قوى ومسارات الاطاحة به، التي لم تتمكن بعد من انجاز ذلك، وبين عدم تمكنه بأي شكل كان من «الحسم» أو «الإخماد» يحكم عليه بهذه الوضعية الاحترابية المحكومة بمزدوجة تدمير المجتمع وإنهاكه التصاعدي كنظام، وهو إنهاك يعود فيقلل منه التدخل الاجنبي لصالحه، من دون ان يكون بمقدور اي تدخل ان ينتشله من مأزقه، مأزق أنه لم يعد بإمكانه أن يتحمّل يوم هدنة جدياً واحداً.
وهو من الناحية الثانية، نظام نجح في توظيف ما يمتلكه: الرابطة الفئوية لضباطه الأساسيين، سلاح المدفعية، طائرات البراميل. ونجح في توظيف ما لا يمتلكه أخصامه، بفعل جنوحهم الى الحرب في المدن، بدلاً من محاصرتها وقطع مواصلات النظام وإرهاقه بالمسؤولية التمويلية وبالاستنزاف اليومي مع الأهالي، فكانت النتيجة نظاماً لم تبقَ منه تقريباً إلا «مواصلاته»، أي خطوط إمداده، ويعتمد تهجير الأهالي. لكن بقاءه هو قبل كل شيء نتيجة لتقاطع، بالصدفة، روسي ـ أميركي. الروس يريدون إطالة عمره لأقصى مدى ممكن، دون اي وهم بأنه سيقف على قدميه، وهم يثمنون ورقته، فطالما يجري عزلهم دولياً، وخصوصاً بعد أزمة القرم، فهم بحاجة الى بقائه كعنصر يكبح خيار «عزل» روسيا غربياً. أما الأميركيون، الذين حلوا الجيش في العراق، وكادوا يتعاطفون مع انشقاق الجيشين السوري بين «نظامي» و»حر» فانهم عادوا لفكرة ان حل الجيش النظامي كان خطأ في العراق، وبالتالي ينبغي عدم حله في سوريا، مع ان صدام حسين قادم من الجناح المدني للبعث، بخلاف حافظ الاسد القادم من البعث العسكري، والجيش النظامي العراقي حافظ نسبياً على نظاميته وانضباطيته، وظل متميزاً عن الحرس الجمهوري الحزبي – الصدامي، في حين انه لم تنوجد مؤسسة عسكرية نافر اطلاق صفة المؤسسة عليها، كـ»الجيش العربي السوري» الذي من الصعب اعتباره جيشاً نظامياً، لا سيما على صعيد العصبية المهيمنة داخله، وهشاشة التمييز بين «العسكري» و»المخابراتي». مع هذا ساد في ادارة باراك اوباما اعتقاد بأنه ينبغي الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، أي الجيش، جيش القصف الكيماوي للغوطة، والتهجير الطائفي لأهالي داريا والكثير من المدن والقرى قبلها، والعمالة للحرس الثوري الايراني. حل الجيش العراقي كان كارثة تسببت بها اميركا في العراق، و»الاتعاظ» من هذه الكارثة لدى ادارة اوباما، سوّغ لكارثة اخرى.
السمة الثالثة أنّه نظام استفاد من مناخات «مكافحة الارهاب» في العالم، وحاول حشر نسخته «الكيماوية البرميلية» من مكافحة السوريين بحجة الارهاب. لكنه في الوقت نفسه نظام يحكم على العالم بأن يظل غير قادر على التقدم جذرياً في ملفات معالجة الارهاب، طالما انه مستمر بالوجود كنظام. طالما بقي بشار الاسد في دمشق، لن يكون هناك اي خارطة طريق جدية وتراكمية لضرب الارهاب.
مؤلم مشهد أهالي داريا يخلون بلدتهم للمحتلين والمرتزقة. بقدر ما هو مؤلم فهو يلخّص كل هذه السمات. نظام طالما استمر بأي شكل كان فلا معالجة ناجعة للارهاب. نظام يستفيد من دعم روسيا له لتحصيل مكاسب من اميركا، ومن تسويغ اميركي لبقائه، بحجة الاستفادة من «دروس العراق». نظام يمكنه انه ان يبقى لفترة، لكنه غير قادر على الحسم العميق في اي في فترة.