IMLebanon

الإنشقاقات الداخلية تهدّد الحزب القومي

 

يتمنى احد القوميين القدامى لو انه فارق الحياة قبل ان يصل إلى يوم يشاهد فيه الحزب الذي آمن به وناضل من أجله تتآكله المشاكل حتى صار عرضة للإنشقاق. قد يكون ما شهده الحزب القومي ظاهرة سليمة لم يشهده غيره من الاحزاب من ناحية غلبة نتائج الانتخابات التي عصفت بالقديم وافرزت شخصيات جديدة يحتاجها الحزب الهرم من حيث الفكر او المحازبين لكن هذه الظاهرة على صحتها عرضة لأن تهدد الحزب وتهدد دوره المهدد اصلاً منذ اندلاع الازمة السورية وما تبعها من أزمات داخلية.

 

قبل نحو عامين شهد الحزب “السوري القومي الاجتماعي” معارضة داخلية ونشأ ما يسمى “لقاء الاصلاح والوحدة” في مواجهة النهج الذي يمثله رئيس المجلس الاعلى النائب اسعد حردان اعتراضاً على ما سموه تجاوزات ومخالفة للدستور في اكثر من مجال عوضاً عن الاعتراض على الاداء عند الكثير من المفاصل من الانتخابات النيابية التي اظهرت هشاشة الحزب وضعف بنيته الى الخلاف على الحصة الوزارية في الحكومات السابقة الى مشاركة بعض المحازبين في اللقاء الارثوذكسي. تمنت هذه المعارضة ارجاء المؤتمر العام للحزب المقرر عقده في حزيران الماضي لاسباب عدة منها استفحال ازمة “كورونا” واستحالة مشاركة المحازبين المنتشرين في بلاد الاغتراب، ولوجود طعون لدى المحكمة الحزبية لم يجر البت بها بعد. أخذ حردان قراراً بإرجاء المؤتمر وتنظيم انتخابات وهذا ما يعد مخالفة دستورية فادحة لان النص القانوني يفرض اجراء المؤتمر قبل الانتخابات.

 

هذا التعاطي واجهته معارضة واسعة داخل الحزب ممن قاطعوا الانتخابات التي حصلت في الثالث عشر من ايلول الفائت بمشاركة نصف الهيئة الناخبة فقط اي بمشاركة 530 من اصل 1038 ناخباً. وبأغلبية النصف زائد واحد تمت الانتخابات التي افرزت نتائجها فوز حردان وحده من ضمن 17 مرشحاً على لائحته فيما فازت اللائحة المنافسة بغالبية مرشحيها بفارق شاسع في الاصوات بعد تمكن عميد الدفاع زياد معلوف وهو مسؤول عن قوات الزوبعة في الشام من نسج تحالف قوي قوامه مجموعة من الشباب ممن كانوا يمثلون سابقاً القوة الضاربة لحردان داخل الحزب وكانوا يسهرون في منزله قبل ليلة من الانتخابات ما جعله يطمئن الى فوزه ولائحته. وهو ما يمكن اعتباره بمثابة انقلاب داخلي عليه ليلقى حردان المصير ذاته الذي جاء به رئيساً يوم انقلب على محمد سليم وهو كان مساعده الاول وتمرّس حزبياً على يديه. والمفارقة ان الجهة التي اصرت على الانتخابات لم تعترف بنتائجها وطعنت بها أمام القضاء اللبناني الذي لا يأخذ بأحكامه الحزب القومي وهو ما يعد سابقة في تاريخ الحزب، حيث ان قضايا الحزب وخلافاته الداخلية تعرض امام محكمة حزبية خاصة وهذه وان كانت تعتبر بحكم المحلولة لترشح ثلاثة من اعضائها الى الانتخابات الماضية الا انها لا بد ان تتشكل ويمكن للطعن ان ينتظر جهوزية المحكمة الجديدة للبت به. وحصل ان تسلم المجلس المنتخب والذي اصبح حردان عضواً فيه السلطة وانتخب مكتب مجلسه برئاسة عامر التل وهو عضو في المجلس الاعلى السابق وقيادي حزبي في الاردن، ومجلس أعلى يرأسه ربيع بنات.

 

عملياً يبدو بوضوح ان الحزب السوري القومي الاجتماعي دخل مرحلة الانشقاق، بعد حركة الانقلاب التي شهدها والتي لها اسباب داخلية متصلة بضعف البناء الفكري العقائدي وتغليب الشخصانية وحب السلطة لدى البعض وتسرب المفاسد، وخارجية تعكس وجود تناقض في التعاطي مع الحزب بين سوريا و”حزب الله”. والا هل يمكن أن يشهد الحزب القومي حركته التغييرية هذه من دون دعم خارجي ولو من “بعيد لبعيد”.

 

يظهر ما افرزته الانتخابات الحزبية وجود خلل داخل الحزب القومي متصل بالدرجة الاولى بأنه لم يعد للحزب مفكّر بل شخصيات طغى حضورها على حضور الحزب كمؤسسة ما الحق ضرراً بعقيدة الحزب وفكره. وبينما لا يزال فكر انطون سعادة ينبض بالحياة فان الحزب القومي صار عرضة للإنشقاق ومشاكله الداخلية لم تعد مجرد زوبعة في فنجان. واقعه صار يحاكي وجود ادارتين لاول مرة في تاريخه، لكل منها مجلس اعلى وسلطة تنفيذية واحدة برئاسة وائل حسنية والادارة الثانية يرأسها ربيع بنات والذي سيشكل سلطة تنفيذية، اما مركز الحزب فسيكون مع القيادة الجديدة بينما تستمر دعاوى حردان عليها لاعتبارها سلطة غير شرعية.

 

مستقبل الحزب القومي على المحك فإما يشهد خلال اسبوعين من اليوم مساعي واتصالات لرأب الصدع وهو ما تسعى اليه قيادات سوريا، ليس بعيداً عنها “حزب الله”، أو أنه مقبل على انشقاق فعلي تم تكريسه وهنا ليس بعيداً أن نرى على هامش هاتين الادارتين مجموعات منفصلة داخل الحزب ومعارضات متشعبة قد تضع مصيره على المحك.

 

لكن المشكلة أن السلطة يبقى حضورها أقوى، ما يعني أن حضور حردان كنائب حالي ووزير سابق ضمن ثلاثة نواب قوميين سيغلب في حضوره على حضور المجلس الاعلى الجديد خصوصاً وان قدرة هؤلاء تجعلهم منفصلين عن رأي الحزب تماماً كما حصل مع تبنيهم تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة. ويعني هذا ان حضور الشخص تفوق على حضور الحزب او ان الحزب بات يختصر بشخص.