IMLebanon

الحرب السورية في مرحلة جديدة

هناك ما يمكن وصفه بإعادة تقويم للسياسة الأميركية تجاه ما يدور في سوريا وفي المنطقة عموماً. كان أفضل تعبير عن بداية إعادة التقويم هذه خطاب الرئيس دونالد ترامب عن إيران وخطرها، من وجهة نظره، على المنطقة والعالم ومدى ارتباط نظامها بالإرهاب في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي. إلى الآن، لم يظهر سوى بداية تحوّل أميركي لجهة التعاطي مع الملفّين الإيراني والسوري المرتبطين عضوياً ببعضهما البعض. كان ما تضمّنه الخطاب الرئاسي تشريحاً دقيقاً للنظام الإيراني وسلوكه وما قام به منذ قيامه في العام 1979.

بعد ثلاثة أشهر على خطاب ترامب، جاءت المحاضرة التي ألقاها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قبل أيّام في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا. خلاصة المحاضرة أنّ الولايات المتحدة، قررت أن يكون لها وجود عسكري وديبلوماسي في الشمال السوري. ستتصدى أميركا للوجود الإيراني في سوريا بصفة كونه وجوداً «شريراً». أكد تيلرسون أيضاً أن لا مستقبل لسوريا في ظل وجود بشّار الأسد في السلطة، حتّى لو كان هذا الوجود، من وجهة نظر الذين يعرفون في الشأن السوري، مجرّد وجود شكلي لا أكثر.

هل انتقلت الولايات المتحدة، بعد سنة من دخول ترامب البيت الأبيض من مرحلة النظري إلى مرحلة العملي؟ يمكن افتراض ذلك بعدما تأكد أن أميركا قررت أن يكون لها وجود عسكري في سوريا وأن تتصرّف من منطلق أنّها من أصحاب المصلحة في محاربة الوجود الإيراني في هذا البلد العربي.

في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2004 تحدث الملك عبدالله الثاني إلى صحيفة «واشنطن بوست» عن «الهلال الشيعي». كان العاهل الأردني أوّل من دقّ ناقوس الخطر على الصعيدين العربي والعالمي. كثيرون لم يفهموا وقتذاك معنى سقوط العراق في يد إيران. بدل الدخول في بحث جدّي لإبعاد دخول الميليشيات التابعة للأحزاب المذهبية العراقية إلى بغداد على دبابة أميركية، دار نقاش محوره الكلام المذهبي للعاهل الأردني، الذي لم يقصد من خلاله أي إساءة إلى أي شيعي، فالهاشميون من أهل البيت ولم يفرّقوا يوماً بين أبناء المذاهب الإسلامية، خصوصاً عندما كان في العراق ملك من أسرة عبدالله الثاني. قصد العاهل الأردني وقتذاك شرح معنى أن إيران صارت في العراق، وذلك من منطلق سياسي قبل أيّ شيء آخر. تبيّن مع مرور السنوات كم أنّ عبدالله الثاني كان مصيباً عندما استكملت إيران وضع يدها على العراق وحوّلت بشّار الأسد إلى تابع لها، وصولاً إلى تحقيق اختراقات في لبنان إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري منه. استطاع «حزب الله»، بكّل بساطة، ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب العسكري والأمني السوري وقرّر أن يكون حاضراً داخل كلّ حكومة لبنانية تشكلت في مرحلة ما بعد زلزال اغتيال رفيق الحريري.

ما الذي ستفعله الولايات المتحدة بعدما بدأت الانتقال من التنظير السياسي إلى اتخاذ خطوات على الأرض؟

لعلّ التطور الأهمّ، على الصعيد الأميركي، يكمن في الفصل بين الاتفاق الموقّع صيف العام 2015 بين إيران ومجموعة البلدان الخمسة زائداً واحداً في شأن الملف النووي الإيراني من جهة وسلوك إيران في الإقليم من جهة أخرى. ليست الإدارة الأميركية في وارد التنصل من الاتفاق الذي تعتبره أوروبا، ومعها روسيا، إنجازاً. الوارد، أميركياً، التصدي لإيران في كلّ المجالات بدءاً بمشروعها التوسّعي وصولاً إلى الصواريخ الباليستية التي لم تكتفِ بتطويرها بالتعاون مع كوريا الشمالية. ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير، أي إلى تزويد الحوثيين بها كي تُستخدم من اليمن في قصف أراضٍ سعودية.

لم يخف البرنامج النووي الإيراني دول المنطقة يوماً. استخدمته إسرائيل فقط لأغراض خاصة بها. كذلك، استخدمه باراك أوباما لتبرير انحيازه إلى إيران التي كان معجباً بها، هو وعدد كبير من كبار مساعديه.

سيظهر قريباً إلى أي مدى ستنتقل إدارة ترامب من الكلام إلى الأفعال وكيف ستكون ترجمة ذلك على أرض الواقع. الثابت، إلى الآن، أن التغيير حصل. أوّل من فهم أن هذا التغيير حصل هو الجانب الروسي الذي بدأ يدرك أنّه لا يتحكّم بسوريا. كانت الإشارة الأولى التي تلقاها في هذا المجال ما تعرّضت له قاعدة حميميم أواخر العام الماضي وبداية هذه السنة. فجأة تكشفت هشاشة الدفاعات عن القاعدة ومدى القدرة على توجيه ضربات إليها، خصوصاً بواسطة طائرات من دون طيّار موجهة من بعد.

ليست البطولات التي يقوم بها بشّار الأسد في هذه المرحلة، بما في ذلك الهجمات المتتالية ذات الطابع الوحشي على الغوطة الشرقية والكلام، الذي قد يكون صحيحاً، عن استعادة ميليشياته المدعومة إيرانياً على الأرض وروسيا جوّاً مطار أبو الظهور في ريف إدلب، سوى بطولات وهمية. لن تقدّم هذه البطولات ولن تؤخر. ما يمكن أن يقدم أو يؤخّر أمران. أولّهما مدى جدّية الولايات المتحدة في تغيير سياستها السورية واقتناعها بأن لا مكان لإيران في سوريا. الأمر الآخر الوضع الداخلي في إيران حيث شعب سئم من نظام دخل مرحلة الترهل وبات عليه أن يظهر روحه العدائية يومياً أكثر فأكثر لإظهار أنّه لا يزال قويّاً. ليست الشعارات التي رفعت أو الهتافات التي أطلقت ضد «الديكتاتور» والموجّهة إلى «المرشد» علي خامنئي سوى بداية ثورة جديدة في إيران. هناك تعب سياسي من النظام الديني الذي جاء به آية الله الخميني الذي وعد بالكثير ولم ينفّذ شيئاُ مما وعد به. هناك ردّ اعتبار على الصعيد الشعبي الإيراني للشاه وأفراد عائلته الذين كانوا يمثلون الوجه الحضاري لإيران. ظهر ذلك بوضوح من خلال التحركات الشعبية في ما يزيد على ستين مدينة وبلدة إيرانية. هذه التحركات هدأت، لكن النار لا تزال تحت الرماد في بلد يعاني مواطنوه من كلّ أنواع الحرمان، بما في ذلك انقطاع المياه في مدينة مثل أصفهان.

بين الوجود العسكري الأميركي على الأرض وإعادة روسيا لحساباتها والترهل الإيراني والطموحات التركية لإقامة منطقة عازلة على جزء من الحدود بين البلدين، تبدو الحرب في سوريا دخلت مرحلة جديدة لن يكون فيها مكان لا لبشّار الأسد ولا لأفراد عائلته. الرجل أدّى ما كان مطلوباً منه. كان مطلوباً منه تفتيت سوريا فنفّذ المطلوب لا أكثر..