أي جهة تقف وراء تفجير الكاتدرائية المرقسية القبطية في القاهرة، والذي تسبب، كحصيلة اولية، باستشهاد 25 مصليّاً قبطياً، وجرح حوالى 57 آخرين، اكثريتهم الساحقة من النساء والاطفال، أكانت تنظيم «داعش» الارهابي، أو جماعات أصولية متطرفة، او خصوم النظام في مصر، التي تتحمّل بالطبع مسؤولية هذا التفجير الوحشي، ولكن المسؤولية الأكبر، قياساً على ما يجري في مصر منذ قيام النظام الحالي، يتحمّلها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي وشيخ الازهر، لتهاون الأول بأخذ التدابير السريعة الفاعلة في ردع الاعتداءات على المسيحيين التي تشهدها قرى وبلدات في مناطق متعددة من مصر، وكان أبشعها تعرية امرأة مسيحية في وسط الشارع وسط هتاف واستهزأ جمهور هائج هياجاً حيوانياً، ناهيك عن احراق بيوت ومحال للمسيحيين، ومنع البعض من العودة الى بيوتهم وارزاقهم، وعدم السماح ببناء كنائس جديدة او ترميم المتداعية من الحريق، اما بالنسبة الى شيخ الازهر، وعلى الرغم من الدعوات والنداءات، لم يحرّك ساكناً ولم يدن من يقوم بهذه الاعمال المشينة، بحق طائفة عدد افرادها يتجاوز العشرة ملايين شخص.
ان الأقباط في مصر، وهم يعتبرون سكان مصر الاصليين، كانوا دائماً في طليعة المصريين في الدفاع عن وطنهم، ايام العدوان الثلاثي، وايام الاعتداءات الاسرائيلية، وفي يوم التحرير والعبور الى صحراء سيناء، لطرد المحتل الاسرائيلي، وكانوا دائماً يساندون القضايا العربية، ولهم في هذا المجال صولات وجولات في الصحف والمجلات ووسائل الاعلام الاخرى، منطلقين من مبدأ ان لا قومية عربية من دون المسيحيين، وان اهم رموز القومية العربية هم مسيحيون لبنانيون وسوريون ومصريون، وهم الذين وقفوا ضد الامبراطورية العثمانية وضد تتريك العالم العربي، وعدد كبير منهم علّق على اعواد مشانق الاتراك، وجريمة ان يكافأوا بقتلهم.
* * * *
ان دول الخليج العربي، التي يتهم البعض انظمتها، بأنها انظمة رجعية، قد فتحت ابوابها الى ابناء الدول العربية الاخرى، ومنذ عشرات السنين، ولم تميّز بين مسلم ومسيحي، حتى ان بعض الدول، مثل قطر والكويت والامارات سمحت ببناء كنائس ومدارس، وساعدت على بنائها، والجميع يعيشون بسلام وكرامة طالما انهم يحترمون القوانين المرعية الاجراء ويتقيدون بها، فعلى الاقل على مصر النظام ان تسهر على أمن رعاياها وسلامتهم وحقوقهم، الاّ اذا كان هناك نيّة تواطؤ، لتخيير المسيحيين بين القتل او الهجرة، كما حصل في العراق وسوريا وليبيا، ولكن المسيحي المصري، كما هو متمسّك بدولته ووطنه وارضه، متمسك ايضاً بمسيحيته، والعمال المصريّون الذين ذبحوا في ليبيا على يد تنظيم «داعش» الارهابي، لانهم رفضوا انكار دينهم، خير اثبات على ذلك.
اعيدوا الى الاقباط المصريين، حقوقهم كمواطنين درجة اولى، مثلهم مثل اخوانهم المسلمين، فهم ليسوا رعايا ولا طارئين، او مستوْرَدين، واذا كان الحاكم عاجزاً عن القيام بهذا الواجب البديهي، فليذهب الى بيته، ويترك الامانة الى من هم اقدر منه، خصوصاً ان التاريخ لن يرحم الحاكم الذي عجز عن حماية شعبه، او الحاكم الذي قتل شعبه.