IMLebanon

إمّا الطائف وإمّا… الفوضى

 

 

تفحَّصت وجوه الحاضرين في اليونسكو، خلال المؤتمر الذي دعا إليه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، في الذكرى الثالثة والثلاثين لوضع اتفاق «الطائف». وبعد التفحّص والتدقيق تبيَّن أنّ «شهوده» الصامدين كانوا ثلاثة فقط، وهم نواب سابقون، كانوا من بين الأحياء ممن شاركوا في صياغة الاتفاق، وليسوا نواباً حاليين: بطرس حرب وأدمون رزق وطلال المرعبي. كما تبيَّن أن»شهداءه» الغائبين اثنان: عرَّاب الاتفاق الشيخ رفيق الحريري، ورئيس «الطائف» رينيه معوض.

 

في مجلس النواب الحالي، ليس هناك من نائب شارك في اجتماعات الطائف. أمّا الذين ما زالوا على قيد الحياة، ولم يعودوا نواباً، إضافة إلى حرب ورزق والمرعبي، فهناك رئيس المجلس النيابي السابق حسين الحسيني والنواب ألبير منصور ونجاح واكيم وزاهر الخطيب وميشال معلولي.

 

بين «شهداء الطائف» و»شهوده»، كانت عملية إحياء ذكراه التي لا تخلو من التحدي، فهذه العملية تُواجَه بتحديات أقل ما يُقال فيها إنّها محاولة لنسف الاتفاق عبر القول إنّه «خدم عسكريته». لمَن لا يعرف، ولمن فاتته مراجعة «حقبة» الوصول إلى اتفاق «الطائف»، لا بد من التدرّج في الوقائع الآتية:

 

«وثيقة الوفاق الوطني» لم تأتِ من فراغ، بل هي خلاصة أوراق عمل إختصرتها واختزلتها مجموعة من الخبراء في القوانين الدستورية وفي العلوم السياسية، من مختلف مكونات المجموعات اللبنانية. هذه الوثيقة التي وُضِعت أمام النواب اللبنانيين في الطائف، هي ورقة العمل التي ناقشوها على مدى أكثر من ثلاثة أسابيع، من الثلاثين من أيلول 1989 إلى الرابع والعشرين من تشرين الأول من العام ذاته.

 

أقرّ مجلس النواب اللبناني وثيقة الطائف في جلسته التي انعقدت في مطار القليعات في تشرين الثاني 1989، في الجلسة ذاتها تم انتخاب الرئيس رينيه معوض رئيساً للجمهورية.

 

بقيت الوثيقة حبراً على ورق إلى حين إدخال بنود كثيرةٍ منها كتعديلات على الدستور اللبناني، حين عُدِّلَت قرابة الستين مادة من الدستور. اليوم، من يعتبرون أنّ «الطائف» أصبح من الماضي، هم لا يعرفون أنّ في توصيفهم هذا وكأنهم يقولون إن الدستور أصبح من الماضي، فالتعديلات التي أدخلت مأخوذة من بنود الطائف، بما يعني أنّ إلغاءه يستدعي إلغاء أكثر من نصف مواد الدستور، هؤلاء هل يعرفون بماذا يطالبون؟

 

مؤتمر «الطائف» حصل بتوافق دولي وعربي: طبَّاخوه ومتابعوه كانوا من واشنطن ومن الفاتيكان ومن باريس ومن دمشق، وكانت الراعية اللجنة العربية العليا المؤلفة من السعودية والمغرب والجزائر، ولم تكن السعودية الراعية فحسب، بل استضافت المؤتمر على مدى خمسة وعشرين يوماً. اليوم، أي إلغاء للطائف يعني التفتيش عن «طائف جديد»؟ هل الظروف ملائمة؟ هل هناك توافق بين العواصم الآنفة الذِكر؟ إن إلغاء الطائف يعني رمي لبنان في المجهول. أمّا البديل من الالغاء، فيكون من خلال مستويَيْن:

 

المستوى الأول، تثبيت الطائف والدخول في ورشة تطبيق ما لم يُطبَّق منه حتى الآن. والمستوى الثاني، الدخول في ورشة تفسير المواد الدستورية التي تحتاج إلى بلورة، من خلال الممارسة الدستورية على مدى ثلاثين عاماً. إنّ ما انتاب مواد دستورية من التباس في التفسير والتطبيق، يستدعي القيام بهذه الورشة تجنباً للتعطيل بحجج دستورية.

 

إنّ مؤتمر اليونسكو فتح الطريق امام المطالبة بهذه الورشة، فهل يكون هذا المطلب المُلِح أحد أولويات العهد المقبل؟