Site icon IMLebanon

اتفاق «الطائف» والسلم الأهلي قناعة كنزها لا يفنى

 

منذ أن تبوّأ الرئيس ميشال عون سدة الرئاسة الأولى، ارتفعت وتيرة مطالبة الوزير جبران باسيل وتيار العهد، باستعادة ما يسميانه بحقوق المسيحيين الموارنة، المسلوبة حسب تعبيرهما منذ انتهاء عملية 13 تشرين الأول 1990، مع العلم بأن العماد ميشال عون شنّ حرب التحرير على الوجود العسكري السوري في لبنان، دفاعاً عن صيغة 1943، وفي العام 1992 قاطع أنصاره في بقعة المدفون كفرشيما الانتخابات النيابية، لتوجيه رسالةٍ الى المجتمع السياسي الدولي، مفادها أن المسيحيين الموارنة في جبل لبنان يرفضون الاعتراف بشرعية الدستور الجديد.

 

وهنا أسأل القيّمين على التيار الوطني الحرّ وأحد إعلاميّيه الذي قال منذ فترة وجيزة: «لكنّ فرنسا أعطت الامتيازات لطائفتي!»، هل ما زلتم تعتقدون بأن الوضع الأمني والسياسي كان يجب أن يبقى بألف خير، عقب 22 تشرين الثاني 1943 غداة منح فرنسا كل الامتيازات السياسية لطائفتكم بمفردها؟ بالطبع لا، لأن الطوائف الـ 17 الأخرى ترفض اعتبار الامتيازات التي كانت ولا تزال بالنسبة إليكم مقدّسات، مقدّسات بالنسبة اليها، لأنّه كان من حقّها أن تأبى الاستئثار والهيمنة من قبل طائفة واحدة على اعتبار انها ليست خيال صحراء، أو قدم كرسي أو مكسر عصًى أو كبش محرقة.

 

إن السبيل الوحيد الذي يجعل التيار الوطني الحر يتوقف عن المطالبة من دون وجه حق باستعادة مطلب غير محق وغير منتسب الى عالم المنطق السليم، سبق أن فجّر بركان الحرب الأهلية في لبنان، هو استذكاره بشكل مستمر لمقولة الجنرال الفرنسي جورج كاترو في العام 1943، «صحيح أننا منحنا اللبنانيين استقلالهم، لكننا منحناهم في المقابل عدم الإستقرار»، لأن الويلات والمآسي أعقبت تلك المقولة، واعترافه بأنّ كل تهوّر حالي يمكن أن يعيد هيستيريا التطاحن العبثي المجّاني.

 

منطقياً لا يحق للتيار الوطني الحرّ أن يقنط ويُحبط عندما يرى أن محور روسيا وسوريا وإيران رافضٌ لإسقاط اتفاقية الطائف، فالسياسة مصالح أولاً، وعلى سبيل المثال لا الحصر إن قيمة الاستثمارات المتبادلة والتبادل التجاري بين موسكو والرياض جدّاً مرتفعة.

 

إنّ معضلة التيار الوطني الحر تكمن بأنه يمارس السياسة بعاطفته لا بعقله، جرّاء معاناته من رهاب الإسلام، وهنا تستلزمني صفحات لأبدّد هواجسه غير المنطقية بتاتاً بهذا الشأن، والتي أصابته بوساوس قهرية ما زال يعاني الأمرّين منها. إنّ التمسّك باتفاقية الطائف في أحلك الظروف، وفي أفضلها، حاجة ماسّة بالنسبة لأغلب الفرقاء اللبنانيين. وليست محض صدفة، أنْ يخرج لقاء الأحزاب الموالية لمحور روسيا وإيران وطهران بتاريخ 8 تموز 2019 أي قبل ثمانية أيام من زيارة رؤساء حكومات لبنان السابقين الى المملكة العربية السعودية، وطلبهم من المسؤولين السعوديين دعمهم لإعادة الاعتبار لاتفاق الطائف وتحصينه، ووضع حدّ للخطابات والدعوات المطالبة بعودة صلاحيات رئيس الجمهورية، ببيان يدعو فيه إلى نبذ كل أشكال الخطاب الطائفي الذي يُعيدنا الى مرحلة الكانتونات الطائفيّة، وإلى التمسّك بروحية اتفاق الطائف، وإلى إلغاء الطائفية السياسية عبر إقرار المادة 95 من الدستور.

 

هذا الجامع المشترك بين فريق الثامن من آذار وبعض مكوّنات فريق الرابع عشر منه، وعنوانه تحصين اتفاقية الطائف، تناغمٌ في غاية الإيجابية وموقف في منتهى العقلانيّة. ويأتي إصرار حزب الله على تحصين الطائف والتمسّك به، في ظل العقوبات الاميركية التي تضيّق الخناق عليه، وفي ظلّ ارتفاع معدّلات البطالة في لبنان بشكل جنوني.

 

من هنا، فإنّ التيار الوطني الحر مدعوّ الى الحفاظ على الدستور بدلاً من محاولة تقويضه لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، ومدعوٌّ الى تسهيل مهمة إقرار المادة 95 منه التي تنص على تشكيل الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية المولجة بإزالة ورمها الطائفي الخبيث من النفوس، ولو استلزم الأمر ردحاً من الزمن، وأن تأتي الخطوة متأخّرة، خير من ألا تأتي أبداً، لأن وطناً ترتع فيه 18 طائفة ومساحته تبلغ نصف مساحة محافظة حمص السورية، والشحن الطائفي يتحكّم في نفوس أبنائه، فإن أفضل حلّ يُزيل خطر عودة الاقتتال بين أبنائه، هو اعتلاء الدولة المدنية اللاطائفية العرش فيه.

 

إنّ فخامة الرئيس مُطالب بنسيان حنينه الى صيغة 1943 خصوصاً أن الأستاذ سركيس نعوم كان قد أورد في كتابه «ميشال عون حلم أم وهم» (ص.29) مقولة للعقيد ميشال عون في بداية الحرب الأهلية مفادها، صحيح أنني متمسّك أشدّ التمسّك بصيغة 1943، لكن إذا أراد الشيخ بشير الجميل أنْ يبني كياناً مسيحياً في لبنان فأنا ضدّه، وبدوري أقول بأنّ صيغة 1943 تعتبر أيضاً كياناً مسيحياً مارونياً صرفاً، لأنّه من رحمها أبصرت أفانين العداوات بين اللبنانيين النور، ودفع وطن جبران أكثر من 130 ألف شهيد، جرّاء رفض الموارنة في جبل لبنان بنود ومندرجات الوثيقة الدستورية التي وضعها الرئيس سليمان فرنجية في 14 شباط 1976، ومشروع الحركة الوطنية برئاسة الشهيد كمال جنبلاط، والاتفاق الثلاثي الذي أُبرِمَ عام 1985، وكل هذا الرفض كان متأتياً من أنّ المشاريع الثلاثة من جملة ما تضمّنت، الدعوة إلى إلغاء الطائفية السياسية، وعدم تفرّد رئيس الجمهورية في اتخاذ القرارات بل اتخاذها بالتشاور مع رئيس الحكومة، ومنح صلاحيات معيّنة لرئيس الحكومة.

 

وبالمناسبة قد يتساءل البعض لماذا توافق بعض قوى الرابع عشر من آذار على وصول سليمان فرنجية مع حفظ الألقاب الى سدَّة الرئاسة الأولى؟، الجواب وبكل بساطة لأن سليمان فرنجية وتيار المردة غير مصابين بداء رهاب الإسلام، ولا بعقدة إلغاء الطائفية السياسية، ولا بعقدة انعدام التوازن الطائفي في وظائف الفئتين الثالثة والرابعة وسلوك الوزير فينيانوس شاهدٌ على ذلك.

 

وهنا أسال فخامته، ألا تعتبر يا فخامة الرئيس أنّ هؤلاء الناجحين والكادحين والفقراء المحتجزة وظائفهم في بيت الشعب، أفراداً من شعب لبنان العظيم؟ لذا أرجو من فخامتكم إطلاق سراح وظائفهم بتوقيع كريم من حبر قلمكم، كي لا ينبري أحد بعد اليوم ويقول بأنّكم تيار طائفيّ ولستم عكس ذلك كما أوهمتمونا، وكي لا تتكرّر حادثة بعلبك مع الوزير جبران باسيل في منطقة لبنانيّة أخرى.