IMLebanon

قُضيَ الأمر وأُقِرَّت الضرائب.. وماذا بعد؟

 

… قضِيَ الأمر وأقِرّت الضرائب بالرغم من تمنّي رئيس البلاد إقرارَ الموازنة قبل فرضِ الضرائب، في وقتٍ تُسجِّل دراسات أجرَتها الجامعة الأميركية ما يؤكّد أنّ القدرة الشرائية للمواطن ستنخفض نحو الـ 20 في المئة بعد إقرار هذه الضرائب، وستَنقل أكثرَ من مئة ألف لبناني إلى تحت خط الفقر بسبب الضريبة التي أضيفَت على القيمة المضافة.

لعلّ أبرز ما في الجلسة العامة أمس هو إقرار وزير المال علي حسن خليل بأنّ هدفَ الإجراءات الضريبية الفعلية هو تقليص العجز، بغضّ النظر عن السلسلة، محذّراً كلَّ من زايَد في خصوص الإجراءات الضريبية من أنّه شارَك في زيادة الإنفاق.

المناقشة الحادة كانت في موضوع الانتظام المالي، فرأى البعض أنّه يؤمَّن بفرض الضرائب المقترحة، فيما اعتبر البعض الآخر أنّه ينتظم عند إقرار الموازنة وليس بقانون ضريبيّ يطاول الشريحة الأكبر من المواطنين، خصوصاً الفقراء منهم.

الرئيسان نبيه بري وسعد الحريري دافَعا عن القوانين الضريبية المقترَحة بحجّة أنه تمّت الموافقة عليها مسبقاً، وأنّ خطر الإفلاس المالي للدولة يُهدّد البلاد والعباد.

وأوضَح الحريري بعد مداخلةِ الرئيس نجيب ميقاتي الذي دعا إلى مصارحة الرأي العام بالواقع الاقتصادي المتأزّم، أنّ الحكومات السابقة كانت تَعلم بالوضع المالي للدولة أكثر من الحكومة الحالية، ولجانُها السابقة كانت تدرس الاقتراحات الضريبية ووافقت عليها ضمناً قبل أن تُصدِرها الحكومة الحالية، محذّراً من اللجوء إلى الاستدانة مجدَّداً بنسبة 6 في المئة لأنه يزيد الأعباء على الدولة. وعزا الحريري السببَ في تعطيل إقرار الموازنة على مدى 5 سنوات إلى الانقسامات السياسية، مؤكّداً أنّه لا يمكن أن تكون سلسلة من دون ضرائب.

أمّا الملفِت فكانت كلمة النائب ياسين جابر الذي كشَف أنّ البنك الدولي رحَّب بقانون الضرائب، في حين أنّ الاستدانة باتت أصعبَ اليوم، إذ لم يعُد هناك ثقة بالدولة، لافتاً إلى أنّ دولاً كبرى مِثل السعودية وقطر ومصر أصدرَت سندات للاستدانة.

النائب عماد الحوت تساءَل عن أسباب استسهال الضرائب واستصعابِ البدائل، مشيراً إلى أنّ التوازن لا يكون في ملفّ واحد، بل يكون شاملاً بين إنفاق الدولة ووارداتها.

النائب نقولا فتوش الذي وجَّه اتّهاماً إلى وزارة الداخلية بأنّها عطّلت انتخابات جمعية تجّار زحلة، طالبَ بحجبِ الثقة عن وزير الداخلية نهاد المشنوق بحجّة أنّه غير مؤهّل لقيادة الانتخابات، وطالبَ بتعيين وزير آخَر يُشرف على الانتخابات ويكون على الحياد. وتساءل فتوش في المقلب الآخر، إذا كان المطروح في الجلسة تعديل للقانون أو استحداث، فأوضَح برّي أنّ ما يجري هو استحداث وليس تعديلاً.

الوزير حسن خليل الذي دافعَ عن القانون، كشَف أنّه منذ الموازنة الأخيرة كان الإنفاق عشرة آلاف مليار ليرة، فيما ارتفعَ اليوم إلى 24 ملياراً، وأنّ خدمة الدين زادت خلال عام واحد 760 مليار ليرة، وأنّ نسبة 83 في المئة من المواطنين لا تصيبهم الضريبة المضافة.

ضرائب تطاول الفقراء

هذا الأمر استفزّ النائب سامي الجميّل الذي أصرّ على إظهار كيف أنّ زيادة 1 في المئة على الضريبة المضافة ستصيب الفقراء، وعدَّد الأصنافَ التي ستُطاولها الزيادة، على رغم اعتراض برّي، لكنّ الجميّل عدّدها، وهي الأصناف الغذائية المعلّبة، مساحيق الغسيل، المشروبات الغازية، الصابون، أثاث المنزل، الأدوات المنزلية، أدوات الحلاقة، خاتماً القول إنّ سلّة السوبّرماركت ستزيد كلفتُها أيضاً، خصوصاً أنّ الدراسات التي أعدّتها بعضُ الجامعات أكّدت أنّ زيادة الـ tva ستؤدّي إلى ازدياد نسبة الفقر في لبنان لأنّ القدرة الشرائية ستنخفض.

كما كشَف الجميّل أنّه سيحاول درس القوانين الضريبية التي أقِرّت، خصوصاً زيادة الضريبة على القيمة المضافة، للنظر مجدّداً في إمكانية تعليقها، وكذلك فعلَ نوّاب «حزب الله» الذين اعترضوا على الزيادة.

وعند التصويت على اقتراح إلغائها، صوَّت على الإلغاء كلٌّ مِن نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، نوّاب حزب الكتائب، «حزب الله»، بطرس حرب، وإسطفان الدويهي، فيما كان ملفِتاً انسحابُ بعض النواب قبل التصويت، أبرزُهم النائب ابراهيم كنعان، فتساءَل البعض إذا كان انسحابه مقصوداً.

الانتظام المالي

النقاش الحاد تناوَل أيضاً موضوع الانتظام المالي، فأكّد الحريري أنّه لن ينتظم بلا فرضِ الضرائب، فيما أوضَح جابر أنّ هذا القانون رحّب به صندوق النقد الدولي وأنّ قطاعنا المصرفي في خطر وأنّ الاستدانة اليوم صعبة وليست كما في السابق.

لكنّ النواب سامي الجميّل وسامر سعادة وخالد الضاهر كان لهم رأيٌ آخر، حيث استغرَب طرحَه اليوم بالذات، معتبراً أنّ الانتظام المالي يكون في التوازن بين الإنفاق والمداخيل وفي الموازنة وليس في قانون مكتوب، مصوّباً بأنّ تصنيف الائتماني للبنان يتعلّق بعجز موازنتِه وليس بانتظامه المالي. هذا الأمر أكّد عليه النائب الجميّل في مؤتمر صحافيّ عقبَ الجلسة، كشفَ فيه أنّ الانتظام المالي يُصحَّح بإقرار الموازنة وليس بقانون مستقلّ الانتظام.

ورأى أنّ الجلسة أظهَرت أنّ المسؤولين برهنوا أنّهم غير مستعدّين للنصيحة والقيام بالإصلاحات الحقيقية، بل يريدون تمويل الفساد والهدر من جيوب المواطنين والضرائب التي أقِرّت.

مِن جهته، أوضَح النائب علي فياض في مؤتمر صحافي أنّ كلفة السلسلة مؤمّنة وهي 1400 مليار، والإيرادات المؤمّنة أكثر من 1900 مليار، متسائلاً ما هي الحاجة لزيادة الضريبة على القيمة المضافة، مؤكّداً أنّهم يطالبون بتعليقها لأنّها تطاول ذوي الدخل المحدود مباشرةً.

في خلاصة الجلسة الصباحية، لاحَظ المتابعون أنّها أقرَّت قوانين ضريبية تُطاول 80 في المئة من اللبنانيين وزيادة 1 في المئة TVA وزيادة الرسوم والطوابع على الفواتير التي أصبحت ساريةً وهي تُنذر بزيادة الفقر، فيما وعد الوزير خليل بمراجعة زيادة الضرائب على الأملاك البحرية.

أمّا السلّة الضرائبية في المجمل فإنّها ستؤدي إلى غلاء معيشة، إذ لا يمكن القول إنّ نسبة الزيادة قليلة، لأنّ القليل من كلّ شيء عند الجمعِ يصبح رقماً كبيراً، إذ إنّ 95 في المئة من السِلع الشرائية ستُطاول المواطنَ العادي، وفاتورة السوبرماركت ستتضاعف.

خلاصة الجلسة الصباحية إقرارُ النواب لضرائب تطالُ جيوبَ المواطنين، بعكس الجلسة المسائية التي يطالُ إقرارُ بنودها القطاعَ المصرفيّ والشركات وعائدات المصارف والمتنفذين من أصحاب الأملاك البحرية وغيرهم، لتكثرَ الأقاويل بعد إقرارها عن توقيتها وأسبابها إنْ في الشكل أو في المضمون.

فهل هدفَت الضرائب فِعلاً إلى تعبئة الخزينة من أجل الحملات الانتخابية، أم أنّها أنقذت الوطنَ من الإفلاس قبل فوات الأوان؟ وهل يُخبّئ المستقبل مفاجآت مِثلَ أن يردَّ رئيس الجمهورية القانون؟