حاولت وزارة الطاقة والمياه الالتفاف على مسألة عدم صلاحيتها في إجراء مناقصة «استئجار بواخر الكهرباء»، فقررت نقل جلسات فضّ العروض من «طابق الوزير» إلى مكاتب مؤسسة كهرباء لبنان وإصدار البيانات الإعلامية باسم المؤسسة… هذا كلّه لا يلغي حقيقة أن وزارة الطاقة هي التي أعدّت دفتر الشروط وأطلقت المناقصة. ولا يلغي سيطرة مستشاري الوزير على قرار اللجنة التي عقدت، أمس، جلسة لاستكمال المستندات الإدارية المطلوبة من الشركات، من دون إصدار نتائج، فانتهى الأمر إلى إصدار بيان مفاجئ يعلن عن التعاقد مع استشاري عالمي «سيأتي لدرس هذه المستندات الأسبوع المقبل» ما يحوّل لجنة فضّ العروض إلى «بيادق» توقّع التقارير المرفوعة إلى وزير الطاقة ومنه إلى مجلس الوزراء
شكّلت دعوة وزارة الطاقة إلى عقد الجلسة الثانية من جلسات فضّ عروض مناقصة «استئجار بواخر لإنتاج الكهرباء بقدرة تتراوح بين 800 ميغاوات و1000 ميغاوات»، مفاجأة للشركات العارضة وللمراقبين، إذ إن هدفها الإيحاء بأن مؤسسة كهرباء لبنان هي التي تقوم بعملية التلزيم، ما يعفي وزارة الطاقة من المطالبات بإجراء المناقصة في إدارة المناقصات، إذ إن مؤسسة كهرباء لبنان هي مؤسسة عامة تتمتع بالاستقلالين المالي والإداري، ولديها نظامها الخاص الذي يتيح لها إجراء مناقصاتها بشكل مستقل عن إدارة المناقصات، على خلاف الإدارات العامة، فضلاً عن أن القانون لم يفرض عليها الاستحصال على الموافقة المسبقة من ديوان المحاسبة على نتائج مناقصاتها…
كل هذا للقول بأن تلزيم بواخر الكهرباء يتم عبر مناقصة تنفذها مؤسسة كهرباء لبنان، ولذلك جرى عقد الجلسة الثانية من فضّ العروض المخصصة لاستكمال أوراق العارضين الإدارية والقانونية، أمس، في مؤسسة كهرباء لبنان، وليس في الوزارة، وبحضور رئيس مجلس الإدارة ــ المدير العام كمال حايك، وصدر بيان عن المؤسسة لتوضيح مسار المناقصة.
هذا المسار، بحسب بيان مؤسسة كهرباء لبنان، جسّد مخالفات عدّة، إذ أشار البيان إلى أن العروض المقدمة من الشركات «جرى حفظها في خزينة لدى مؤسسة كهرباء لبنان، على أن يتم فضّ تلك العائدة إلى الشركات المؤهلة إدارياً وتقنياً وفنياً وفقاً وبناءً على توجيهات معالي وزير الطاقة والمياه»، وأضاف البيان أن الجلسة كانت مخصصة لفضّ «التوضيحات الإدارية والتقنية التي طلبت بتاريخ 10/5/2017 من العارضين الثمانية المشاركين في استدراج العروض… وبالتالي سيصار الى دراسة كل هذه التوضيحات التي قدمها العارضون الثمانية من قبل استشاري عالمي تم التعاقد معه لهذا الغرض، والذي من المتوقع وصوله الى لبنان أواسط هذا الأسبوع للبدء بدراسة العروض المقدمة من الناحيتين الإدارية والتقنية وتقديم تقرير خطي في هذا الشأن في مهلة أسبوعين كحد أقصى من تاريخ مباشرته العمل».
أربع شركات لم تتمكن من تقديم المستندات المطلوبة منها
الإعلان عن التعاقد مع استشاري عالمي لدرس المستندات الإدارية، من دون أن يحضر أي من الجلسات، أثار الكثير من التساؤلات بين الشركات العارضة، كما أثارت الإجراءات الشكلية في الجلسة المذكورة العديد من الملاحظات.
في الشكل، أدارت الجلسة موظّفة من مؤسسة كهرباء لبنان، خلافاً للجلسة السابقة التي أدارتها مستشارة وزير الطاقة ندى البستاني. هذه الأخيرة لم تتفوّه بكلمة واحدة في جلسة أمس. أما مديرة الجلسة، فقد كانت تتلو على كل شركة المستندات المطلوبة منها ورقة ورقة ومستنداً ومستنداً وهي التي استمعت إلى مبررات الشركات التي لم تتمكن من تقديم المستندات المطلوبة منها في جلسة 8 أيار.
وبحسب مصادر مشاركة في الجلسة، فإن أربع شركات لم تتمكن من تقديم المستندات المطلوبة منها، ما يعني أن هناك أربع شركات مستوفية الشروط الإدارية، وبالتالي فإن الحديث عن استشاري عالمي سيدرس الملف الإداري للشركات أمر مستغرب، ولا سيما أن غالبية المستندات الإدارية المعروضة تتعلق بالوكالات الممنوحة لممثل الشركة والحسابات المالية لآخر ثلاث سنوات وعلاقة الشركة المحليّة بالشركة الأجنبية… وما يثير الاستغراب أكثر أن اللجنة طلبت في الجلسة الأولى مستندات أصلية موقعة حسب الأصول، أي أنها رفضت استقبال أي مستند منسوخ، وبالتالي بتّ صحة المستندات لا يتطلب استشارياً عالمياً، بل يمكن بتّه فوراً بعد عملية تدقيق بسيطة كما يحصل في كل المناقصات العامة.
كان لافتاً في جلسة أمس «الهدوء» الذي اتّسم به فريق مستشاري الوزير وعدم تدخّلهم في أي من المناقشات بين ممثلي الشركات ومديرة الجلسة، إلا أن بعض الشركات التي قرأت البيان الصادر عن مؤسسة كهرباء لبنان رأت في هذا السلوك «فخاً» منصوباً لها، إذ إنها لم تطّلع على أي من الإجراءات والتدابير المتعلقة بفضّ العروض، فضلاً عن أن الجلسة التي عُقدت أمس لم تكن مخصصة لتقديم أي من المستندات التقنية ولم تُطرح فيها أي أسئلة تقنية خلافاً لما ورد في بيان مؤسسة كهرباء لبنان عن «التوضيحات الإدارية والتقنية».
تقول مصادر متابعة إن نقل فضّ العروض من «طابق الوزير» في وزارة الطاقة، إلى مكاتب مؤسسة كهرباء لبنان لا يغيّر في واقع الحال أي شيء، إذ إن دفتر الشروط الذي يجرى على أساسه استدراج العروض من الشركات، وضعته وزارة الطاقة من دون عرضه على مجلس الوزراء، فضلاً عن أن وزير الطاقة هو الذي أطلق المناقصة وهذا الأمر ثابت في الإعلان المنشور في الصحف، فيما هناك عدد كبير من مستشاري الوزير ضمن لجنة فضّ العروض من دون أي صفة رسمية فعلية لهؤلاء الذين لا يصنّفون ضمن موظفي القطاع العام، بل هم مستشارون للوزير فقط. واللافت أيضاً أن مكتب الوزير هو الذي استقبل أسئلة الشركات على دفتر الشروط وتولى الردّ عليها وإعطاء التوضيحات للشركات…
هكذا تبرز أسئلة أساسية عن الهدف من بدء التقييم الفني للعروض قبل إنهاء الملفات الإدارية، وعن تكليف استشاري متخصص بالأمور الإدارية هو لزوم ما لا يلزم، إذ كان يمكن أن تقوم إدارة المناقصات بهذه المهمة على أكمل وجه وأن تصدر النتائج الإدارية خلال فترة قصيرة جداً. وإذا كانت الخطة القاضية باستئجار بواخر مولّدة للكهرباء بواسطة الفيول أويل هي خطّة طارئة، فإن هذه الصفقة تحوّلت من خطة مستعجلة لصيف 2017 إلى خطّة مستعجلة لإنقاذ إجراءات المناقصة، علماً بأنه لا لمعنى لاستئجار بواخر كلفتها تصل إلى 5 مليارات دولار، فيما هناك حلول بديلة توفّر أكثر من 35% من الكلفة هي استثمار على المدى الطويل. على رأس هذه الحلول البديلة، هناك معامل ثابتة للإنتاج بواسطة الغاز، سواء الغاز المنزلي أو الغاز المسال، وهناك المعامل الثابتة التي تعمل بواسطة الفحم الحجري، وهناك البواخر العاملة بواسطة الغاز… كل الخيارات متاحة، لكن الخيار الوحيد المقبول من وزارة الطاقة هو البواخر العاملة بواسطة الفيول أويل!