العجز المالي الذي تغرق فيه وكالة «أونروا» يهدّد بوقف عملها كلياً. المنظمة الدولية التي تهتم بستة ملايين لاجئ فلسطيني لم تعد قادرة على تلبية احتياجاتهم. المخاوف من أن يكون كل ذلك مقصوداً ما يلوّح بخطر التوطين وإلغاء حق العودة
لا يشبه اللقاء الذي سيُعقد بين مدير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الـ(أونروا) في لبنان ماتيوس شمالي وممثلي الفصائل الفلسطينية، الجمعة المقبل، غيره من اللقاءات التي تعقد على نحو شبه دوري بين الطرفين، إذ يأتي في وقت تقف فيه الوكالة الدولية على مفترق طرق من شأنه أن يحدد مصيرها في المرحلة المقبلة، بسبب مواجهتها أزمة مالية خانقة (101 مليون دولار قيمة العجز المالي)، ما جعلها غير قادرة على تلبية احتياجات نحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني تتولى، منذ تأسيسها عام 1949، الاهتمام بهم صحياً وتربوياً وسكنياً واجتماعياً في الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان وسوريا والأردن.
هذه الأزمة بدأت تتبلور تدريجاً في الأشهر القليلة الماضية، مع تقليص الـ»أونروا» خدماتها الصحّية والاجتماعية، وصولاً إلى توقفها بدءاً من شهر تموز الماضي عن دفع بدلات الإيجار لأكثر من 5 آلاف عائلة فلسطينية نازحة من مخيمات سوريا، وتمهيداً على ما يبدو لخطوة بالغة الخطورة، تتمثل في احتمال إعلانها منتصف الشهر الجاري عدم إطلاق العام الدراسي بسبب عجزها المالي.
واستباقاً لهذه الخطوة التي تحمل أبعاداً سياسية خطيرة، وتنذر برمي نحو نصف مليون طالب فلسطيني في مناطق عمل الوكالة في الشارع، أعلن «إتحاد موظفي الأونروا» في الأردن أن هؤلاء سيفتحون المدارس ويداومون فيها ويباشرون مهماتهم، حتى لو لم تتوافر أموال ورواتب لهم.
إمكانية اتخاذ اتحاد موظفي الأونروا في لبنان خطوة مماثلة لم تتضح بعد، في انتظار اللقاء بين شمالي وممثلي الفصائل. غير أن أصداء لا تبشر بالخير حول مستقبل الوكالة الدولية وصلت إلى أسماع المسؤولين الفلسطينيين في لبنان من الأردن، حيث عقد المفوض العام للأونروا بيار كرينبول قبل أيام اجتماعاً مع ممثلي اتحاد الموظفين وأبلغهم فيه أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أعلمه حرفياً بأن الولايات المتحدة لن تدفع مساهمتها المالية في الأونروا.
القرار الأميركي يعني أن الأزمة المالية تتجه الى التصاعد، وخصوصاً أن الولايات المتحدة هي المساهم الأكبر فيها، كما أن الأمور مرشحة لمزيد من التأزّم إذا ضغطت واشنطن على حلفائها والدول التي تدور في فلكها للامتناع عن الدفع، في حال كان هدفها من إغراق الوكالة في عجز مالي مقدمة لإلغائها وإنهاء دورها.
مصادر فلسطينية متابعة أوضحت لـ»الأخبار» أنها رفعت قبل أيام تقريراً إلى مفوضية الأونروا، فنّدت فيه «المخاطر الاجتماعية والصحّية والسياسية والأمنية والتربوية التي ستترتب عن إلغاء الأونروا». ونقلت عن مسؤولين كبار في الوكالة أنهم «يبذلون مساعيهم الأخيرة لإنقاذها، بالتوجه الى دول البريكس التي لا تدور في فلك أميركا، وتحديداً روسيا والصين والبرازيل، طلباً لدعمها مالياً، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه».
وتبدي المصادر مخاوفها من أن «يكون ما يحصل من إلغاء لدور الأونروا مقدمة لإلغاء حق العودة إلى فلسطين، وتوطين الفلسطينيين في لبنان ومناطق الشتات بشكل أو بآخر»، مبدية استغرابها «لعدم تحرّك الحكومة اللبنانية للضغط على الأونروا لحثّ الدول المانحة على دفع مساهماتها المالية، لأن توقف الأونروا سيرمي عبء الفلسطينيين في لبنان على حكومته».
وتكشف المصادر أن التحضير للوصول إلى مثل هذا اليوم تم التمهيد له منذ سنوات، لافتة إلى أن المدير العام السابق للأونروا في لبنان سلفاتوري لومباردو أعلن أكثر من مرّة أنه «يعمل لرفع مستوى التنسيق والمواءمة مع وزارتي الصحة والتربية في لبنان، لتصبح الخدمات الصحية والتربوية المقدمة لللاجئين مشابهة لما تقدمه الحكومة في لبنان لمواطنيها».
بلغة الأرقام
في حال إعلان الأونروا إنهاء عملها، سيجد لبنان نفسه معنياً بنحو 37 ألف طالب من أصل نصف مليون طالب في المناطق الخمس التي تعمل فيها الأونروا، وبـ 69 مدرسة من أصل 700، و2049 موظفاً من 22646، وبمعهدين فنيين من أصل تسعة، و93 مركزاً صحياً من أصل 514.