ميثاقية أم لا؟ هذا هو السؤال الذي تفرضه أجندات السياسيين لمناقشة موضوع الجلسة التشريعية، فيما يفترض بالسؤال أن يكون: ضرورة أم لا؟ الاطلاع على أبرز بنود جدول أعمال الجلسة المرتقبة ينتهي بخلاصة: إنها «اللوفكة اللبنانية»
يعقد مجلس النواب، غداً، جلسة «تشريع الضرورة»، لإقرار جدول أعمال من 40 بنداً، 38 منها ناقشها أعضاء هيئة مكتب المجلس على مدى أكثر من جلسة، فيما سقط اثنان سهواً قبل أن يلحقهما الرئيس نبيه برّي بالجدول. بهذا، لم يعد ينقص مشاريع القوانين سوى الإقرار لتصبح قوانين نافذة. لكن، هل ما هي هذه البنود؟ وهل تستوجب هذه الضرورة فعلاً؟
يمكن تصنيف البنود وفق التالي: 23 بنداً تتعلّق بالحاجة اللبنانية الدائمة إلى «القروض»، و3 بنود تعترف صراحة بعجز أركان الدولة اللبنانية عن إقرار موازنة عامّة، و6 بنودٍ دُسّت في الجدول استجابة لضرورات خارجية. بقيت 6 بنود، يمكن تصنيفها في إطار «النثريات». أو بحسب تعبير الوزير السابق شربل نحّاس: «حراتيق من جميعو».
هذا في الشكل. لكن، عند التدقيق في المشاريع، يمكن تقسيمها إلى ثلاث «بقج»، كما يحلو لنحّاس وصفها: أوّلها القروض الخارجية وإضافاتها، وثانيها «الشطارة اللبنانية في كيفية مكافحة تبييض الأموال»، وثالثها مشاريع قوانين «الزعبرات في المالية العامة».
في القسم الأول، بنود متعلّقة بالقروض التي يمكن تحصيلها من مؤسسات إقليمية ودولية. لا يجد نحّاس ما يغري للحديث عن هذا الأمر. يكفي القول أنها «شقعة قروض»، صار من «العادي» وجودها سواء في جدول «الضرورات»، أو في الجدول العادي على الطاولات المستديرة. ومع «افتراض أنها قروض جيدة وضرورية»، يمكن «بلع» 23 بنداً بسهولة. لكن، هل يسري هذا «البلع» على بنود السلّتين الباقيتين؟ الجواب هو «لا»، يقول نحاس. لا، في بلدٍ يعمل بقوّة الدفع الإلهي، ويعمل على خلق مشاريع بطريقة «اللوفكة»، على عين القانون.
تبييض الأموال
هكذا، مثلاً، يمكن أن نجد في جدول أعمال «الضرورات» بند مشروع القانون الوارد بالمرسوم 8200 المتعلّق بتعديل «القانون الرقم 318 تاريخ 20/4/2001 مكافحة تبييض الأموال».
الخميس المقبل، سيبشَّر اللبنانيون، بتطوير وتوسيع هائل لهيئة التحقيق الخاصّة بمكافحة تبييض الأموال. هذه الهيئة «المستقلّة»، تتألف من «حاكم مصرف لبنان رئيساً ورئيس لجنة الرقابة على المصارف، والقاضي المعيّن في الهيئة المصرفية العليا وعضو أصيل كأعضاء»، وتضع «نظاماً لسير عملها ونظاماً للمستخدمين لديها والمتعاقدين معها الخاضعين للقانون الخاص»، على أن «يتحمّل مصرف لبنان نفقاتها والأجهزة التابعة لها». أما عملها، فهو «تجنيد» المحاسبين المجازين وكتّاب العدل والمحامين، لإبلاغ رئيس الهيئة فوراً بتفاصيل العمليات المنفذة، أو التي جرت محاولة تنفيذها ويشتبه بأنها تتعلق بتبييض أموال أو بتمويل إرهاب، والطلب من شركات التأمين ونوادي القمار ووسطاء العقارات وتجار السلع ذات القيمة المرتفعة «مسك سجلات بالعمليات التي تفوق قيمتها المبلغ الذي تحدّده الهيئة والتبليغ عنها». على هذا الأساس، تحقّق الهيئة في العمليات «التي يشتبه بأنها تشكل جرائم تبييض أموال أو تمويل إرهاب وجمع المعلومات وتبادلها مع نظيراتها وإصدار توصيات للجهات المعنية بذلك»، ولها حق «تجميد الحسابات (…) وإرسال نسخة طبق الأصل إلى كلّ من النائب العام التمييزي والهيئة المصرفية العليا وإلى الجهات المعنية، محلية كانت أم خارجية (…) وقراراتها لا تقبل أياً من طرق المراجعة العادية أو غير العادية، الإدارية أو القضائية».
ضرورة أميركية؟
لمعرفة متى ولدت هذه الفكرة، يجب العودة سنوات إلى الوراء، وتحديداً إلى ظروف إقرار قانون «فاتكا» (قانون الإمتثال الضريبي على الحسابات الأميركية الخارجية)، الذي يعاقب «الأميركيين المتهرّبين من دفع الضرائب في بلادهم، وأولئك الذين هرّبوا أموالهم إلى الخارج، أو يملكون حصصاً تزيد على 10 في المئة من أسهم شركات خارجية ولا يسدّدون عنها ضرائب». وبما أنّ لبنان من بين عشرات الدول التي وقّعته، كان لا بدّ من أن يبدي حسن نياته تجاه الولايات المتحدة التي أمهلت الدولة اللبنانية حتى نهاية العام الجاري لتنفيذ التزاماتها. وهو موعد أدى على نحو أساسي الى «ضرورة» عقد الجلسة النيابية.
لكن، بما أن لبنان غير قادر على تعديل قانون «السرية المصرفية» لكونه يطاول «الفاسدين والحرامية اللبنانيين قبل الأميركيين»، اخترع «الهيئة الخارجة عن الإنتظام العادي». هكذا، بكل بساطة «خلقنا هذا الوحش الغريب العجيب الذي جنّدنا الكل في خدمته» يقول نحاس. وتحظى الهيئة بكامل الصلاحيات في إصدار قراراتها بمجرّد «الإشتباه بعملية تخفي تبييض أموال» أو على أساس «محاولة القيام بعملية». وهذا ما يسمونه «محاكمة النيات». هي هيئة محلّية تأبى إلا ان تذكّر اللبنانيين بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. ولكم أن تتخيّلوا صلاحياتها وأهدافها.
مخالفة الدستور
تحيلنا هذه الهيئة إلى مشروع القانون المتعلّق بتبادل المعلومات الضريبية (المرسوم 8002). في هذا المشروع، يفترض بوزير المالية، الذي «يجب أن يقدّم إليه طلب المعلومات المتعلّق بالتهرب الضريبي من قبل السلطة الأجنبية المسؤولة عن الشؤون الضريبية»، أن يحيل الطلب إلى «الهيئة» (مع رأي وزارة المالية إن كانت المعلومات مشمولة بقانون السرية المصرفية) التي يفترض أن تبلّغ قرارها او المعلومات المطلوبة «مباشرة وحصراً إلى السلطة الاجنبية مقدّمة طلب الإستعلام». وهذا يعني أن «وظيفة» وزير المال هي «ساعي بريد»، ورأيه لا يلزم الهيئة التي قد تقرّر عدم الأخذ به.
تذكر هيئة مكافحة تبييض الأموال بالمحكمة الدولية
المأخذ الثاني على المرسوم هو إعطاء الصلاحيات لوزير المالية خلافاً للقانون. ففي حين تنصّ المادة الأولى على أنه «يجاز لوزير المالية عقد، أو الإنضمام إلى اتفاقيات ثنائية أو متعدّدة الأطراف لتبادل المعلومات المتعلّقة بالتهرب الضريبي»، إلا أنها ربطت ذلك بمراعاة المادة 52 من الدستور التي تنصّ على تولّي «رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة (…)». هكذا نكون أمام مخالفة واضحة للدستور.
الاعتمادات الإضافية
انتهت السلّة الثانية باختراعٍ لبناني، فيما بقي القسم الثالث المتعلّق بمشاريع قوانين ما يسمّى فتح اعتمادات. وهذه، تضمّ على سبيل المثال «اقتراح القانون المعجّل المكرّر الرامي إلى فتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة لتغطية العجز في مختلف اعتمادات مشروع موازنة عام 2016…»، واقتراح القانون المعجّل المكرّر الرامي «إلى فتح اعتمادٍ إضافي في الموازنة العامة قدره (…) لتغطية العجز في الرواتب والأجور».
في الدستور وقانون المحاسبة العمومية، وسائر القوانين الأخرى، تعمل «ماكينة» الموازنة وفقاً للتالي: في أول العام، تعدّ الموازنة التي تبقى صالحة حتى آخر العام، حيث يصار إلى إجراء جردة الحساب. هذا هو الطبيعي، الذي تلحقه بعض الإستثناءات، إذ إنه لسببٍ من الأسباب «تخربطت الدنيا وما ركبت الموازنة، تستطيع الدولة أن تضغط الإذن شهراً إضافياً واحداً»، يقول نحّاس. أما في الواقع اللبناني، «فقد توقفنا عند موازنة عام 2005، وهي آخر موازنة صحيحة في الشكل، واعتبرناها صالحة إلى يوم القيامة». ومع مرور السنوات وتغيّر الأسعار، سرت «موضة» الإعتمادات الإضافية التي كرّست واقعاً واحداً «اعتبارها كموازنة الـ2005 مفتوحة إلى ما لا نهاية». وفي كل عام، يفتح اعتماد إضافي إلى ما لا نهاية. وكل هذا، سيوصلنا إلى مكانٍ واحد: لا حسابات وغرق أكثر في الدين العام. هذا بعض من تشريع الضرورة.