IMLebanon

شروط التمثيل المسيحي الصحيح

مشكلة تصحيح التمثيل النيابي للمسيحيّين لا تنحصر في قبول بعض الأطراف المسلمين بآليات قانونية وأنظمة إنتخابية أو تسويات سياسية تحول دون وصول عشرات من النواب المسيحيين الموالين لحركة «أمل» و»حزب الله» وتيار «المستقبل» والحزب التقدمي الإشتراكي الى الندوة البرلمانية.

بالتالي فإنّ تظهير النقاشات في شأن قانون الإنتخاب لناحية تحديد الدوائر الإنتخابية، وأيٍّ من النظامين الأكثري أو النسبي سيُعتمد، وكأنها- لوحدها- محاكاة لجوهر المشكلة، يعتبر عن جهل بالوقائع أو عن نية مسبقة بتجهيلها، خطأً سياسياً يتمّ تشييعه بين الناس وفي أوساط الرأي العام لحرف أنظاره عن المعالجات الحقيقية.

فما يُصطلح على تسميته بـ«مصادرة التمثيل المسيحي» من جانب كتل: «التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة» و«اللقاء الديموقراطي» وتيار «المستقبل» على أهميّته، يبقى جانباً من جوانب الحقيقة التي لا تكتمل إلّا بالإضاءة على جوانبها الأخرى المتمثلة بثغرات بالغة الأهمية في الآلية الإنتخابية التي تنص عليها القوانين المعتمدة، وفي الأداء السياسي لبعض الأحزاب الفاعلة، وأبرزها:

1 – مهل الترشيح التي تُترك الى ما قبل أسابيع معدودة من الإنتخابات ما يجعل الإنتخابات «تهريبة سياسية» يتحكّم بمفاصلها أصحاب النفوذ المالي والطباخون السياسيون بحسب المصالح والمحاصصات، عوض أن تكون تنافس برامج وحوارات ونقاشات بين أصحاب الأفكار المتنوعة والبرامج المتعددة لإقناع الناس بحسب أصول العمل الديموقراطي في دول العالم المتحضر.

2 – عدم احترام المادة 24 من الدستور التي تنص على أنّ المقاعد النيابية «توزع نسبياً بين المناطق». وهو ما يعني صراحة أنّ الدستور يضمن للمناطق تمثيلاً عادلاً أسوة بضمانتي المناصفة للمسيحيين والمسلمين والتمثيل النسبي في توزيع المقاعد على الفئتين.

فمَن يطالب بتمثيل مسيحي صحيح يجب ألّا يحرص فقط على «المناصفة الحقيقية» وإنما كذلك- وبالأهمية نفسها- على عدم نسج صفقات يتوزّع فيها «المرشحون المحظوظون» على دوائر لا ينتمون إليها، في إطار محاصصات عائلية وحزبية على حساب التمثيل الصحيح للمناطق.

والمؤسف أنّ متهمي الوصاية السورية برفع عدد مقاعد المجلس النيابي من 108 كما نصّ عليه «اتفاق الطائف» الى 128 وتوزيعها بالتعيين على نواب – محاسيب خارج مناطقهم، يكرّرون اليوم ما كان يقوم به السوريون كجزء من «تزوير» التمثيل المسيحي في تلك الفترة.

3 – عجز معظم الأحزاب عن استيعاب الطاقات الشبابية المؤهلة لتولي المسؤوليات السياسية، وفي معظم الأحيان تعمّد إقصاء هذا النوع من الكوادر وإبعاده، واستبداله بمجموعات من «الطيّعين» لأعضاء «النادي السياسي العائلي» الذي يوزّع المناصب على شكل مغانم ومكرمات على حساب طموحات الشباب والكفاءات.

من هنا يمكن القول إنّ ما تتمّ مناقشته هذه الأيام على المستويات النيابية والسياسية تحت مسمّى «قانون الإنتخاب» لا يعدو كونه «قنبلة دخانية» تُخفي حقيقة الصراع الذي يتركز ليس على المقاربات الجوهرية التي تتطلبها آليات الإنتخابات الديموقراطية الحقيقية وصولاً الى تمثيل صحيح للبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، وإنما على إيجاد صيغة تحاصصيّة بين اللاعبين السياسيين والحزبيين حول الحجم النيابي لكلٍّ منهم بعيداً من الآلية التي تسمح للبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً بالتعبير عن حقيقة تطلعاتهم وقناعاتهم.

ومتى تمّ التفاهم على الحصص والأحجام يُصار الى وضع النصوص القانونية التي توصل الى النتيجة المتفق عليها سلفاً. بكلام آخر فإنّ ما يسعى اليه بعض الأحزاب المسيحية هذه الايام ليس التوصل الى آليات قانونية وتقنية تضمن للمسيحيين صحة اختيار مَن يمثل تطلعاتهم وقناعاتهم، وإنما الى اتفاق سياسي على حجم الكتل النيابية للقوى المتنافسة، علماً أنّ التمثيل الصحيح لا يمكن أن يتحقق طالما بقيت آليات الترشيح الراهنة التي تعتمدها الأحزاب والقوى السياسية على حالها، وأنّ الديموقراطية الحقيقية لا يمكن أن تتحقّق في ظل الآليات الحالية للحملات الإنتخابية وعمليات الاقتراع والفرز وإعلان النتائج.

* عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»