Site icon IMLebanon

الخطر الفظيع للقراءة!

 

لا يبدّل قمع الحريات في الوقائع الحقيقية للأمور، وبالعكس فإن مناخ الحرية هو ما يتيح عدم احتقان الوقائع وتحولها بسبب الجهل والتجهيل إلى براميل متفجرة. ولَم يكن الاعلام الحر يوماً سبباً لفتنة، وتجارب الشعوب تدل على ذلك. لم تكن الصحافة موجودة في جبل لبنان لتشعل قراه في النصف الاول من القرن التاسع عشر، وكانت أجران الكبة وتربية دود القز تزدهر من دون اعلان، ومع ذلك احترق الجبل اللبناني ونالت النيران من المدن المجاورة. واليوم ليست الحريات، خصوصاً حرية التعبير المتجسدة في الاعلام الحر، مسؤولة عن الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية، فالمسؤول عنها هو السياسي والاقتصادي والمالي، وهم جميعاً ممثلون في سلطة مهمتها إيجاد الحلول وإدارة شؤون العباد، وليس تعميق الأزمات بالتنمر على الحريات والاعتداء على وسائل التعبير.

 

قبل نحو 244عاماً ضاقت السلطة الملكية في فرنسا بالانتقادات والآراء التنويرية التي ستقود الى ثورة 1789، فكتب فولتير مقالته الساخرة بعنوان: “الخطر الفظيع للقراءة”. هاجم فولتير فتوى مفتي السلطنة العثمانية بمنع المطبعة في بلاده، لكنه في الواقع كان يقصد خصوصاً تسلط سلطات بلاده المطلقة برداء الهي وقمعها للناس ولأصحاب الأفكار الجديدة. وليس مجهولاً أن فولتير والشعب الفرنسي وبعدهما الشعب التركي هم من انتصروا في النهاية.

 

ولا يختلف جوهر القضية في أيامنا عن جوهره في السنوات والعقود السابقة. دائماً تنتصر الحرية على مكبليها، وتجربة هروب فولتير إلى استعارة العثماني اضطر صحافيون لبنانيون لإقتباسها ايّام الرقابة السورية مطلع عهد الياس سركيس. يومها منعت مقالات تتحدث عن مقاومة الجنوبيين للاعتداءات الإسرائيلية، فاستعضنا عنها بمقالات تتحدث عن مقاومة الجنوب أفريقيين للنظام العنصري، وفهم الناس ما المقصود.

 

منذ ايّام نبهت اللجنة الدولية لحماية الصحافيين إلى خطر على حرية الصحافة في لبنان، انطلاقاً من الادعاء على” نداء الوطن”. واللجنة هذه لا يمكن المساس بموضوعيتها وهي التي تعمل في أكثر من 120بلداً حول العالم. وقد صنفت في أحد تقاريرها الأخيرة الدول الأكثر قمعاً للصحافة واحتلت اريتريا المرتبة الاولى.

 

يبدأ القمع بتدشين ولاء الاعلام التقليدي ليتحول الى بوق للسلطة، ثم تتوالى التدابير لتشمل منع الانترنت ومشتقاته فيتحول المجتمع إلى مزرعة أورويلية يعتقد حكامها أنهم انتصروا. مثل هذه المصائر يصعب تصورها في لبنان، ونحن لم ننس أن صحافة بيروت صدرت بمانشيتات عن قيام جبهة المقاومة فيما كان جنود إسرائيل على أبواب تلك الصحف.