اكاد اجزم، بأن لا أحد من الطبقة السياسية، التي تعاقبت على السلطة في لبنان، منذ نهاية الثمانينات وحتى اليوم، تعنيه كلمة وطن، او دولة، او مصلحة شعب، او انه يشعر بخطر تفكك الكيان، وانحلال المؤسسات، وتجاهل الدستور والقوانين، وتدهور القيم.
تنبّه هذه السلطة الى الفراغ القاتل الذي يتآكل البلد، فتمعن في سياسة الفراغ، وكأنك نبهتها الى أمر نسيته.
تحذّرها، ان الارهابيين الذين قاتلوا الجيش وقتلوا من جنوده وضباطه، لا يتوفر لهم، المأكل والمشرب، والتلفزيون، والتلفون، والعناية الصحية، والزيارات في سجون الدولة، وخصوصاً سجن روميه، فحسب، بل انهم قادرون من سجنهم على قتل جنودنا، اما ذبحاً او بالرصاص، باتصال هاتفي بينهم وبين قادتهم في جرود عرسال والقلمون، ومن مصلحة لبنان ومصلحة الجيش ومصلحة الجنود المعذبين وعائلاتهم، اطلاق هؤلاء المجرمين، حتى لا يقتلوا مرة ثانية وثالثة ورابعة، تحت أنف السلطة ورغماً عنها، فتتذكّر هذه السلطة هيبتها الممرغّة بدم الابرياء، وبسيادتها المفقودة منذ زمن طويل، فتتمسك بهم، بدلاً من ان تطلقهم، وتحرق الارض والجرد والحجر والمغاور بعدهم، طليقة اليد، موفورة الكرامة، مستعيدة هيبتها وهيبة الجيش وحياة جنودها، بعيداً من الغوص في وحل الابتزاز الدائم الذي تفرضه عليها عصابات التكفير والارهاب والقتل.
اهلنا في البقاع ممن يعيشون على طول الحدود مع سوريا، ينامون ويقومون، منذ مدة على اصوات المدافع والصواريخ والرشاشات الثقيلة، نتيجة للمعارك الدائرة بين تنظيم «داعش» وخصومه، مثل «جبهة النصرة» و«الجيش السوري الحر»، لأن «داعش» على ما تناقلته وسائل الاعلام، يريد ان يكون السيّد المطلق قبل ان يقوم بغزوته للبلدان اللبنانية القريبة، مثل، راس بعلبك والقاع وعرسال وبريتال وبعلبك وغيرها، ومع ذلك فالحكومة التي يفترض ان تكون الحاكم المطلق في لبنان، بفراغ منصب الرئاسة الاولى، لم تعلن حتى الآن، عن اي اجراء يطمئن اللبنانيين الى ان الدولة العليّة واعية لما يتهدد لبنان من مخاطر، خصوصاً وان الجميع يتحدث عن ان سنة 2015، ستكون سنة الجحيم في منطقة الشرق الاوسط، ولبنان في قلبها، تاركة العبء والحمل على الجيش الذي لم يحصل من السلاح والعتاد والتجهيز سوى على أُذنه.
رئيس مجلس النواب، صرّح، موثقاً بالصوت والصورة، بعد التمديد الاكراهي لمجلس النواب، ان هناك مهلة شهر للتوافق على قانون جديد للانتخابات، واذا تعذر الاتفاق، فسيطرح مشاريع القوانين المقدمة على الهيئة العامة للاقتراع عليها، وبسبب هذا الوعد، تخطى نواب حزب القوات اللبنانية ميثاقياً، التمديد لمجلس النواب، وبما ان الرئىس بري، لا يريد ان يكون افضل من الحكومة، تراجع عن وعده، واستفاق على ضرورة اخذ رأي رئىس الجمهورية بقانون الانتخابات، ولما كان يا دولة الرئىس بري، الامل مقطوعاً من انتخاب رئيس للجمهورية في المدى البعيد غير المنظور، فان المجلس النيابي، بفضل همة صديقك نقولا فتوش، سيمدد لولاية ثانية، حتى ولو غاب عنها الغطاء الميثاقي.
اما لماذا، هناك استبعاد لامكانية انتخاب رئىس جديد، فلأن جميع الدلائل والتحليلات والمعلومات الداخلية والعربية والدولية، تشير الى ان المنطقة مقبلة على احداث مفصلية، قد ترسم للعديد من الدول العربية في العام المقبل، على ان تنضج هذه الاحداث على نار قوية من المعارك في سوريا والعراق، وربما في الاردن وفلسطين ولبنان، وحتى بعض دول الخليج، وبالتالي سيبقى كل شيء معلقاً في لبنان، الى ان يعرف ماذا كتب له في لعبة الامم، هل التقسيم، او التصغير، او الفدرالية، او اللامركزية السياسية الموسعة، وهل ان هذا المصير سيحل على البارد او على السخن؟!!
في هذه الدوّامة من الخيارات الملتهبة، نصيب لبنان البائس، ان تحكمه دولة بلا رأس، وسلطة بلا فكر وقرار، ومجلس نيابي فقد الشرعية الشعبية وتحوّل الى برج بابل.