IMLebanon

المسرح جاهز للتوقيع في آذار

ثمّة انطباع خاطئ بأنّ الواقع السياسي جامدٌ نتيجة التعقيدات التي لا تزال تحوط بالاستحقاقات السياسية الكبرى، وفي طليعتها استحقاقُ التفاهم على البرنامج النووي الإيراني.

في الحقيقة، إنّ المرحلة الحاليّة تبدو زاخرةً بالحركة استعداداً للتوقيع المنتظَر حصولُه ولو بخطوطِه العريضة قبل نهاية الشهر المقبل، في حال عدم ظهور مستجدّات دراماتيكية تسعى إليها إسرائيل خصوصاً لقتلِ الاتفاق قبل ولادته.

في العراق حصلت تطوّرات كبيرة شملت منحَ الفريق السنّي للمرّة الأولى قوات عسكرية منذ الاجتياح الاميركي لهذا البلد عام 2003. صحيح أنّ العنوان جاء تحت ذريعة الاستعداد لقتال «داعش» إلّا أنّ لهذه القوات حضوراً دائماً في المستقبل ولو تحت جناح الحكومة المركزية.

كما أنّ كلام الرئيس السوري بشّار الأسد عن عدم موافقته على مشاركة بلاده في الحملة البرّية يوحي بأنّ الترتيبات أصبحت شِبه كاملة للبَدء بمرحلة الحرب البرّية، وهو ما يتطلّب فعليّاً حصول اتفاق سياسي مسبَق.

بالتأكيد لا يبدو الأسد قلِقاً أو بعيداً عن هذا الاتفاق، وهو الذي تحدّث عن تنسيق معه عبر الحكومة العراقية التي تحظى برعاية طهران. لكن تبقى الإشارة الأهمّ تلك التي صدرت عن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله السيّد علي خامنئي الذي أعطى في وضوح موافقتَه على اتفاق يحفظ مصلحة بلاده، علماً أنّ الرئيس الايراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف لا يمكنهما الشروع بأيّ اتّفاقات إذا لم تكن تلك المصلحة مؤمّنة.

العَدّ العكسي بدأ، والجميع ينتظر ساعة التوقيع من دون إغفال المخاطر التي يمكن أن يضعَها المتضرّرون، فحتى عملية القنيطرة التي نفّذَتها إسرائيل جاء الردّ عليها من خلال مزارع شبعا ووفق سياق تحصين الاستقرار وليس وفق منطق ضربِه. وحتى وثيقة «واشنطن بوست» بقيَت بلا ردود فعل توخّاها مسرّبو التقرير.

كلّ شيء جاهز تقريباً، فيما الأطراف المعنية تُحضّر «المسرح» حتى من خلال المواقف المتشدّدة التي تهدف الى تسويق الاتفاق لا إلى ضربه كما يخال للوهلة الأولى.

وقد يكون تحديد موعد التوقيع هدفُه أيضاً قطع الطريق على احتمال استفادة المتشدّدين في إسرائيل، أي توقيع الاتفاق فوراً بعد الانتخابات الإسرائيلية منعاً لتحقيق بنيامين نتنياهو والأحزاب الإسرائيلية المتطرّفة مكاسبَ انتخابية.

بدوره، يستعد لبنان، إذ إنّ الملفات الصعبة وفي طليعتها ملف الاستحقاق الرئاسي، يُمهّد لها بهدوء وبعيداً عن الضجيج الإعلامي. لذلك أخطأ البعض في وصفِ الجولة الأخيرة للموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو بأنّها أفضَت إلى لا شيء. قد يكون ذلك صحيحاً من خلال ما ظهرَ مِن مواقف، لكنّ الإشارات الفعلية تبدو مختلفة.

ذلك أنّ جيرو خرج متفائلاً من لقائه وفدَ «حزب الله»، وهو اللقاء الأهمّ الذي كان على جدول أعماله. في هذا اللقاء الذي حضرَه أيضاً المسؤول الجديد عن ملف الأحزاب المسيحية محمود قماطي، تحدّث الموفد الفرنسي عن زيارته لإيران حيث تطرّقَ الحديث إلى العلاقات الفرنسية – الايرانية التي كانت شهدَت توتّراً خلال المراحل الماضية، وسمعَ تقويماً إيرانياً سلبياً تجاه بلاده بسبب الأحداث في سوريا.

وحين طرَح الأزمة الرئاسية في لبنان سمعَ جيرو أنّ إيران ترفض البحث في أيّ ملف في المنطقة خارج إطار الملف النووي قبل حصول التفاهم الكامل في شأنه وتوقيعه.

في الشكل بدا الجواب الإيراني سلبياً، لكن في «التشريح» حملَ الموقف الايراني معطيات جديدة كثيرة: إيران ستتحرّك بعد حصول التوقيع، والذي يبدو أنّه لم يعُد بعيداً.

وفي لقائه مع وفد «حزب الله»، تعمَّدَ جيرو شرحَ كلّ ذلك على أساس أنّ الحزب فريق مستقلّ، وإن كان على علاقة تحالفية وثيقة بإيران، ما يعني أنّ بلاده مستعدّة للتعامل معه على هذا الأساس، وليس من خلال إيران فقط. والواضح أنّ جيرو يُحضّر المسرحَ اللبناني جيّداً، وهو ليس وحدَه في هذا الاتجاه، فالحوار بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» اقتربَ من لحظة فتحِ الملف الرئاسي.

بالتأكيد، ينتظر طرفَا الحوار المناخ الإقليمي المناسب للبحث في مواصفات الرئيس العتيد من دون التطرّق إلى لائحة الأسماء. وهذه المرحلة لم تعُد بعيدة. كذلك فإنّ الحوار بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع يتنازعه الواقع الرئاسي.

وعندما زار جيرو الرابية سأل عون في وضوح هل يعتقد أنّ جعجع سيؤيّد ترشّحَه للرئاسة؟ فأجابه إيجاباً. وتعتقد مصادر ديبلوماسية مواكبة أنّ جواب عون هدفَ إلى وقفِ النقاش وقطعِ الطريق على أيّ طروح بديلة. ذلك أنّ الديبلوماسي الفرنسي كان قد بلغَه من الفريق الديبلوماسي الفرنسي أنّ حوار جعجع مع عون لا يهدف إلى تزكية ترشّح عون بمقدار ما يهدف الى ترتيب البيت المسيحي والسعي للتفاهم على مرشّح رئاسي مشترَك بين «التيار» و»القوات».

وعون الذي كان يأمل لقاءََ قريباً مع جعجع فوجئ بسَفر الأخير ولفترةٍ لا بأسَ بها. بعض العارفين يقولون إنّ عون لم يعُد متمسّكاً بشَرط إعلان جعجع تأييدَه له كمرشّح رئاسي لحصول اللقاء، وأنّه يعوّل على لقاء يجمعهما لإقناعه بالسير في ترشيحِه، فيما جعجع يراقب المناخ الإقليمي والاتفاق الأميركي – الإيراني ليتقدّم في اتّجاه الرابية بهدف مشاركته في اختيار اسم الرئيس المقبل، وعلى أساس أنّ الواقع الإقليمي الكبير يستحيل تغييره، وأنّ السياسة هي فنّ الممكن وأنّ الوقت سبقَنا.