IMLebanon

حصّنوا أبوابكم لا ينفع الندم

 

في زمن اللصوص والمفسدين كيف تحمون بيوتكم؟

 

سرقة، نهب، تشليح، سطو مسلح… مفردات عشنا معها في زمن الحرب حين غابت الدولة وتراجعت هيبتها تاركة الأرض للمفسدين فيها… تعود اليوم لتنتعش من جديد وتستولد مفسدين جدداً يقبضون على عنق المواطن اللبناني ويتحكمون بلقمة عيشه وكل قرش يملكه. سرقات من فوق حرمت اللبناني حاضره ومستقبله، وسرقات على الأرض تتهدد ما تبقى له من مال وممتلكات. كيف يحمي نفسه منها؟ خلف أي أبواب يتلطى؟ بماذا يتحصن والعين بصيرة واليد قصيرة؟

في مشهد أبوكاليبتي (apocalyptic) يضاهي أشد أفلام الخيال العلمي غرابة يفيق اللبناني من نومه مذعوراً. إنه اليوم السابع: اليوم الذي يحق له فيه ان يسحب 200 دولار من البنك، يسرع الى الخزنة الحديدية المكنونة في إحدى خزائن البيت، ليتفقد سحوباته السابقة ويتأكد أنها لا تزال في الحفظ والصون. يلقي نظرة على كاميرا المراقبة التي تصل شقته بمحيط البناية ليتأكد أن لا أحد يكمن له في الخارج، يضع الكمامة على وجهه قبل الخروج من البيت والاختلاط بالناس المنتظرين أمام المصرف. يغلق بابه أولاً ثم الباب الحديدي السميك بعد الباب الأول ويقفل بقفلين متوازيين عند الأعلى والأسفل، ليتأكد من سلامة بيته وممتلكاته بعد أن صار السطو المسلح رياضة وطنية وينطلق نحوالمصرف حذراً غير مطمئن بشكل كلي الى إجراءات السلامة هذه.

 

هكذا صار المواطن اللبناني يحصن بيته ورزقه وأنفاسه فهناك من يتربص به لينتزع منه أغلى ما يملك: المصرف عينه على ماله، الكورونا جاثم فوق أنفاسه وعصابات السطو متأهبة لسرقة سيارته ونهب جنى عمره. لكن المواطن المقهور واقع كحجر بين شاقوفين فلا هو يحتمل ان يُسرق ولو فلس واحد مما يملك ولا هو قادر على حماية ما يملك. فالحماية هذه الأيام مكلفة ومكلفة جداً وهو لا يملك من السيولة ما يكفيه لتوفير ما يحلم به من وسائلها.

 

الحماية في زمن اللادولة

 

في عزّ زمن الحرب وميليشياته و”زعرانه”، في زمن اللادولة وعصاباتها استطاع اللبنانيون أن يحموا بيوتهم. حصّنوها بأبواب حديدية مصفحة تعصى على أكثر الزعران استشراساً، وتقف سداً منيعاً في وجه لصوص تلك الأيام وحصنوا باب السطح خوفاً من سرقة تنزل عليهم من فوق. حينها كان الباب الحديدي المصفح في متناول اليد يستطيع المواطن أن يدفع كلفته وإن كانت مرتفعة. ويقول فكتور حنا وهو أحد الحدادين المعروفين في منطقة المدور في بيروت أن شغله كان مزدهراً أيام الحرب الأهلية، وكان كثيرون من أصحاب الشقق لا سيما في الطوابق الأولى والثانية في أحياء مختلفة من بيروت الشرقية والغربية يطلبون منه تركيب ابواب حديدية لشققهم، الى جانب البوابات الحديدية المعروفة التي تحمي مداخل البنايات. وكان سعر الباب حينها يتراوح بين 150و200 دولار وكان الدفع يتم فوراً عند التركيب بالدولار أو بالليرة اللبنانية، وكان طن الحديد حينها بربع سعره اليوم… كانت الأموال متوافرة بين يدي الناس متوسطي الحال أو ميسورين ولم يكن تركيب باب حديدي مشروعاً كبيراً يتطلب دراسة وتمحيص كما هو اليوم. كان هم الناس في زمن الحرب أن يحموا بيوتهم لا من السارقين فحسب بل من الاعتداءات على أنواعها، من اقتحام وخطف وسلب وتعدّ وغيرها تقوم بها طوابير خامسة وسادسة وعاشرة.

 

في زمن الدولة وتحت رعاية العهد القوي نسأل معلم فكتور عن سوق الأبواب الحديدية وما إذا كان الناس يلجأون إليها في هذه الظروف العصيبة، يصرخ قائلا: “ما حدا عم بركب شي الناس ما معها مصاري، باب بيتي كلفني 350 دولار وقد جمعته بنفسي من قطع متفرقة جلبتها من هنا وهناك. فمن أين سيأتي الناس بكلفة الباب التي تتراوح بين 400و800 دولار. لا سيولة بين يديهم ونحن لا نتعامل بالشيكات. طن الحديد ارتفع سعره ليتأرجح بين1600 دولار للعادي و1800 للمزيبق، وهوعلى ازدياد لم يعد التجار قادرين على الاستيراد”. ويضيف: “الحالة بالويل والشغل واقف وإذا قصدت المدينة الصناعية تجدين المحلات والمعلمين فيها في وضع مبكٍ”.

 

“بدن البراد؟ ياخدوه”

 

ولكن أليس هناك من اشخاص ميسورين يخشون على بيوتهم وممتلكاتهم؟ ألا يستطيع هؤلاء تركيب وسائل حماية تحميهم من السرقة؟ يؤكد فكتور أن الخوف موجود والأسئلة كثيرة لكن المال غير متوافر. هو لم يركب أي باب في الشقق والبيوت منذ عدة اشهر لكنه اشتغل بوابتين حديديتين مصفحتين لمحلي صيرفة، تراوحت كلفة الواحدة بين 2500 و3000 دولار وسوى ذلك لا شيء. فالصرافون هم أباطرة هذا الزمن وحدهم شغلهم ماشي أما باقي الفئات فيبدو ان ليس لديها ما تخسره. حتى محلات الصيغة والمجوهرات لم تبادر الى تحصين محلاتها في ظرف الفوضى التي نمر بها ولا ما عداها من متاجر ومحلات، ما خلا بضعة كاراجات تصليح وتحديد السيارات عملت ما يلزم لحماية ما فيها من سيارات من السرقة. أما الناس، فقراء وأغنياء فصرختهم واحدة “ماذا سيسرقون بعد، بدن البراد ياخدو…”.

 

الحال ذاتها تتكرر بين بيروت والمناطق، فالمدينة الصناعية في زحلة لا تختلف عنها في بيروت وعند سؤالنا أحد الحدادين هناك عن الأبواب الحديدية ووسائل الحماية يصرخ قائلا: “شنو؟؟؟؟ ما حدنش عم بركّب شي. ليش هني تركولنا شي؟”. ويضيف بحكمة زحلاوية: الأغنياء اموالهم في البنوك والخزنات والفقراء بالكاد يجدون طعام يومهم وبفضل حكامنا رح نبيع ماكيناتنا…

 

خط “بارليف”

 

نعود الى بيروت لنسأل إحدى كبريات شركات تركيب أجهزة الحماية والوقاية عن واقع الحماية في لبنان اليوم، في ظل الظروف الأمنية المتأرجحة، وكيف يحافظ اللبنانيون على سلامة منازلهم؟ يخبرنا المسؤول عنها ان الكل يترددون بدفع مبالغ كبيرة من أجل تأمين الحماية لبيوتهم او محلاتهم، والتركيز ينصب على صيانة ما هو موجود اصلاً لأنه أقل كلفة من تركيب معدات جديدة. معظم العمل اليوم يتلخص بصيانة الفيديوفون والإنترفون في البنايات، وذلك لضمان عدم فتح الأبواب لأي غريب مشتبه فيه، وكذلك على صيانة بوابات البنايات وابواب الكاراجات الكهربائية للتأكد من إحكام إقفالها وقدرتها على مقاومة محاولات فتحها بالقوة. فبوابات البنايات هي “خط بارليف” أو جبهة الصد الأولى في وجه اي اعتداء او محاولة اقتحام وسطو، لذلك فإن الأبواب الزجاجية الأنيقة التي كانت تضيف لمسة جمالية الى المباني، باتت تدعم ببوابات حديد او ألمنيوم تؤمن حماية اكبر للسكان.

 

أما خط الدفاع الثاني فهي كاميرات المراقبة التي تغطي محيط البيت اوالبناية وتنبئ بوجود أي معتد في المحيط، وغالباً ما تكون موصولة الى غرفة الحارس أو الناطور. وكانت هذه الكاميرات حتى الماضي القريب مطلوبة جداً في الفلل والبنايات الفخمة وتبلغ كلفتها حوالى 500 دولار، أما اليوم فبات يصار فقط الى تصليح ما هومعطل منها أوالاكتفاء بتركيب كاميرا واحدة عند مدخل البناية.

 

بالانتقال الى الخطوط الخلفية تشكل ابواب المنازل خط الدفاع ما قبل الأخير في وجه الإعتداءات المحتملة. ورغم عدم تزايد نسبة تركيب الأبواب الحديدية أو المصفحة إلا إن الطلب على أقفال الـ security شديد جداً ويتصاعد منسوبه مع كل موجة سطو تعم البلاد. هذا النوع الخاص من الأقفال يمكن تثبيته على الأبواب الخشبية شرط أن تكون متينة وقوية إذ لا فائدة منها إن كان الباب متزعزعاً يمكن كسره أوخلعه بسهولة. وتأتي هذه الأقفال الخاصة مع ذراع حديدية تدخل من أعلى ومن أسفل وجانبياً ضمن عزقات مثبتة جيداً ما يجعل الباب لا يقهر. والقفل هذا مزود بثلاثة أوخمسة أقفال تتيح إغلاق الباب من الاعلى ومن الوسط والأسفل بمفاتيح لا يمكن تقليدها. ويتراوح سعر هذه الأقفال ما بين 100و200 دولار وقد يصل ثمنها أحياناً الى 500 دولار للأقفال الخارقة التي تتحدى كل محاولات الاقتحام بالقوة.

 

حماية إلكترونية

 

ويبقى البيت الملاذ الآمن الأخير الذي يتحصن المواطن بين جدرانه فلا يرى السارقين والناهبين إلا على شاشات التلفزيون امامه. أما إذا لم تكفه وسائل الحماية العينية من بوابات واقفال وكاميرات لإبعاد خطر السرقة والسطو عن بيته فثمة نوع آخر من الحماية بحسب ما يشرح لنا أحد الخبراء، وهو أنظمة الحماية الإلكترونية. وهي نوع متقدم من الحماية يعتمد على تركيب أجهزة إنذار متطورة تنبئ بحدوث أي خرق أمني داخل البيت أو أي محاولات لاقتحامه من الخارج. ويمكن تثبيتها على النوافذ وفي نقاط محددة في محيط البيت أو يمكن نشرها داخل البيت وهي مكونة من كاميرات وأجهزة استشعار متصلة بهاتف صاحب البيت أو بمراكز مراقبة متخصصة، تستشعر حرارة الجسم وتطلق إنذاراً عند حدوث أي طارئ ولا سيما إذا كان اصحاب البيت خارجه. وثمة طرق إنذار أخرى يشغلها اصحاب البيت حين يكونون داخله بحيث ينطلق زمور قوي عند حدوث خرق يدرك السارق معه انه وقع في الشرك، فيترك كل ما غنمه من البيت ويفر هارباً. ولكن هل المواطن اللبناني الميسور الحال مستعد اليوم لتركيب إحدى هذه الأنظمة التي قد تصل كلفتها الى 3000 دولار؟ الجواب يأتي من الخبير ذاته الذي يؤكد أن الرغبة بتركيب أجهزة حماية موجودة وتكثر الأسئلة بعد كل عملية سطو تضج بها وسائل الإعلام ومواقع التواصل، لكن يبقى المال هوالعثرة الكبرى لعدم توافره بين أيدي الناس.

 

مسكين المواطن اللبناني الخائف يفتش عن حماية بيته وعائلته بأقل كلفة ممكنة، فيما ناهبو البلد وسارقو أموال مودعيه يحيطون أنفسهم بأنظمة حماية إلهية وحزبية ومالية، تاركين عيون الناس الدامعة تقاوم مخرز النهب والجشع.