لصرف النظر عن اقتراب انتهاء الحرب أو استمرارها لفترة أطول، يبقى المواطن اللبناني متفرّجاً عاجزاً على مشهدين هما: الخراب والدمار اللذان باتا جزءاً من مظهر لبنان، القادة الذين يشرحون الوضع ويتحدّثون عن اليوم التالي للحرب…
حرب إسرائيل السابعة على لبنان هي أمّ لثلاث حروب: حرب الشعب والدولة وحزب الله مع اسرائيل، حرب المثقفين مع بعضهم البعض وحرب “الجنرالات” على أنقاض الدولة المتآكلة …
ففي الوقت الذي يتحرّك فيه الموفد الأميركي بين تل أبيب وبيروت، يظهر ثلاثة جنرالات مخضرمين قوّة محرّكاتهم في مقاربة الأزمة ومقارنتها بأزمات لبنان السابقة والعالم العربي، وليد جنبلاط، نبيه بري، سمير جعجع ثلاثي يعزف كلّ منهم بيانه السياسي الخاص على مسرح الأزمة، يستثمر من أجل البقاء كرأس حربة وهذا في السياسة حقّ، يدافع عن لبنان الذي صاغه في لاوعي جمهوره وهذا حقّ أيضاً، لكن تكمن الإشكاليّة في طريقة التعاطي في سبيل فرض مشروع على حساب مشروع داخليّ آخر، فكيف يتعاطى الجنرالات الثلاثة في معاركهم؟ وإلى أي حدّ حكاية كلّ منهم تؤخذ على محمل الجدّ؟
وليد جنبلاط: حكاية عرّاف الأقليّات
بعد حدث 7 أكتوبر 2023، بدأت اطلالات زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تتخذ طابع التنبؤ أو الاستشراف، فزعيم الأقليّة الدرزيّة بدأ منذ 8 أكتوبر بالتعبئة الشعبيّة الإنمائيّة استعداداً لحرب كان يرى خصلًا منها ولم نكن نرى تفاصيلها.
جنبلاط الذي خاض حروباً في الجبل واعتذر عنها وترك سيّارة الحركة الوطنيّة تنحرف عن مسارها لردع التضييق السوري، يجلس اليوم في المختارة متأملًا الأطراف المتناحرة زارعاً في الوقت المستقطع شتلة/فكرة تحضّ على التسوية والوفاق.
حكاية وليد جنبلاط تبدأ برؤيته للبنان الجبل الصغير والشعب المحاوط بأكثريات مرعبة.
نبيه بري: لاعب شطرنج لبناني بحت أحببته أو كرهته، خاصمته أو حالفته، الثابت الوحيد أن نبيه بري ما زال البيدق الأكثر بديهيّة وحذراً وتدويراً للزوايا، يتسلّح في هذه الحرب بثقافته الشعبيّة، بمغزى حكايا سلام الراسي وقصائد العامليين ليفاوض عن “حزب الله” من جهة ويحمل خريطة لبنان الدائرة الواحدة من جهة ثانية.
يعرف نبيه بري جيّداً أنّه بين نار الحرب الداخلية (كش ملك) ونار الخسارة الدبلوماسيّة (اصفرار الأوراق السياسية بالتدريج) لذلك يجلس في عين التينة يمرر طرفه وأمثاله المكثفة ليصف لبنان دون إملاء أجندة من هنا أو هناك.
سمير جعجع: حكاية حكيم يتجنّب الفخاخ
يبقى هدوء سمير جعجع وخطابه المبني على القرارات الدوليّة والدستوريّة اللبنانيّة هو اللافت، فالرجل الذي اتخذ قرار تغيير تكتيكه السياسي من العمل الفردي (القرار يصدر بشكل أحادي عن الهيئة التنفيذية) إلى العمل الجماعي منذ عام 2019 وانسحابه من كل الحكومات ومقاطعتها.
يملك سمير جعجع إلى جانب نقطة العمل الجماعي، ثباته على شعاراته (1701/1680/1559) وسيادة لبنان ضمن معادلة جيش وشعب ودولة، لكنه كاد أن يقع في فخ الأحادية بعد صياغته لقاء جامعاً في معراب خانه خلاله المكان ورمزيته وحالفه فيه الجوهر والمغزى.
باختصار الجنرالات الثلاثة يخوضون الحرب كلّ على طريقته، يريدون من لبنان أن يكون معسكراً مستقراً وفقاً لمناخ تجاربهم، فهل الحرب تعدّل تجاربهم؟ أم تجعلهم يرسّخون أنفسهم سياسيّاً لفترات أكثر تعقيداً؟